<p>أنا زوج أرمل محطم نفسيًّا على فراق زوجتى، وكذلك على أني لا أعرف كيف أتصرف في تربية أبنائي ومتابعة شغلي في نفس الوقت، عندي طفلة ٨ سنوات وولدين توأم ٥ سنوات، انصحيني دكتورة أميمة كيف أوفق بين عملي ورعاية أبنائي؟</p>
رحم الله زوجتك الغالية وأسكنها فسيح جناته، وربط على قلبك وقلب أبنائك، وألهمكم جميعًا الصبر والسكينة.
أخي الكريم،
أقدّر مشاعرك العميقة، وأشعر تمامًا بثقل المسؤولية التي تحملها على عاتقك، فهذا الوضع الذي تمر به يُعرف في علم النفس التربوي بمصطلح Single Parenting Challenge، أي "تحديات التربية الأحادية"، وهو يتطلب جهدًا مضاعفًا نفسيًّا وإداريًّا.
أولًا: أحب أن أطمئنك أن شعورك بالضياع والضغط بين متطلبات العمل ورعاية الأبناء هو أمر طبيعي تمامًا يُسمى في علم النفس التربوي بـ Role Strain "ضغط تعدد الأدوار"، حيث يواجه الأب أو الأم صعوبة في تحقيق التوازن بين المسؤوليات المتعددة.
وتذكر قول الله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها﴾؛ فالله سبحانه لا يكلفك فوق قدرتك، بل يقدّر مشاعرك وصبرك، ويجازيك خيرًا على كل تعب تبذله من أجل صغارك.
ثانيًا: من الناحية الواقعية، أنت بحاجة إلى مهارات إدارة الوقت وتحديد الأولويات..
فالتوازن لا يعني أن تعطي كل مجال وقتًا متساويًا، بل أن تعطي كل مجال ما يحتاجه فعليًّا حسب أهميته وحساسيته في اللحظة الحالية.
* وهنا سوف أكتب لك بعض الخطوات العملية التي قد تساعدك:
١- لا بد من جدولة واضحة لمهامك:
خصص لكل يوم وقتًا ثابتًا لمتابعة أبنائك، ولو كان قصيرًا، المهم أن يشعروا بوجودك العاطفي قبل المادي. فالطفل يحتاج إلى Quality Time "الوقت النوعي"، لا مجرد الحضور الجسدي.
٢- يمكنك الاستعانة بالدعم الاجتماعي..
إن أمكن، استعِن بمقربين تثق بهم مثل الجدة، أو العمة، أو مربية أمينة لمساعدتك في بعض الأمور اليومية< فمن الضرورى جدًّا تخفيف الضغط النفسي عليك.
٣- من الضروري أيضا ترتيب بيئة الأبناء..
وفّر لهم روتينًا يوميًّا بسيطًا ومنظمًا يتضمن أوقاتًا للعب، للدراسة، وللنوم. الروتين يعطي الأطفال إحساسًا بالأمان ويخفف عنك الكثير من العناء الناتج عن العشوائية.
٤- على أن تكون التربية بالحب والاحتواء..
فحتى لو كنت مشغولًا، احرص على أن تكون علاقتك بأبنائك قائمة على ما يُعرف بـ Emotional Availability "التوافر العاطفي"، أي أن تُشعرهم بحبك واهتمامك من خلال كلمات بسيطة، نظرات حانية، واحتضان دافئ.
قال النبي ﷺ: "من لا يَرحم لا يُرحم".. فالرحمة والاحتواء أساس بناء القلوب الصغيرة، أكثر من الأوامر والتعليمات.
٥- كذلك الاهتمام بنفسك أمرًا واجبًا وضرويًّا..
لا تهمل احتياجاتك النفسية والروحية، ففاقد الشيء لا يعطيه.
خصص وقتًا بسيطًا يوميًّا لتجديد طاقتك عبر الصلاة، الدعاء، أو أي نشاط ترتاح له، فهذا يجعلك تمارس ما يسمى Self-Care Practice "ممارسة العناية الذاتية".
وتذكّر يا عزيزي أن التربية رحلة طويلة، وليست معركة يومية لكسب الكمال؛ فلا تطلب من نفسك المثالية، بل اطلب الاجتهاد والبذل بقدر استطاعتك.
وثق أن مجرد قلقك على أبنائك ورغبتك في الموازنة بين عملك ورعايتهم هو أكبر دليل على أنك أبٌ صالحٌ بإذن الله.
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ فاعتبر أبناءك نعمة كبيرة تستحق منك الشكر والبذل، مهما شعرت بالتعب أحيانًا.
ثالثا: أنصحك بالآتي لتخفيف الضغط النفسي اليومي:
- قسّم المسؤوليات الكبيرة إلى مهام صغيرة يمكن إنجازها تدريجيًّا.
- ضع جدولاً أسبوعيًّا مرنًا وليس صارمًا، يسمح بالتكيف مع المفاجآت.
- علم أبناءك بعض المهارات الذاتية البسيطة كترتيب أغراضهم، مما يساعدك ويعلمهم الاستقلالية.
- وإن كانت ظروفك المادية تسمح، فيمكنك الاستعانة بعد الله تعالى بجليسة للأطفال تكون من أهل الثقة، حتى تراعي أبناءك لحين عودتك من العمل.
* همسة أخيرة للأب الفاضل:
اصبر واحتسب، وعلّق قلبك بالله، وكرر هذا الدعاء الجميل كل صباح: "اللهم أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، واهدني ويسر الهدى لي".
واعلم أن ثمار تعبك اليوم ستجنيها مستقبلًا أبناء صالحين بارين بك بإذن الله تعالى.
أسأل الله أن يثبتك، ويقويك، ويرزقك السعادة برفقة أبنائك في الدنيا والآخرة.
مع خالص الدعاء والدعم.