ما هي الدراسات المستقبلية وأهميتها؟

<p>ما المقصود بالدراسات المستقبلية وهل يمكن أن تكون هذه الدراسات ذات فائدة؟</p>

 

المعرفة البشرية في تطور مستمر، والعلوم المستحدثة في ازدياد، وبات الإنسان ينظر إلى مستقبله أكثر من ماضيه، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا أن المتخصصين في المستقبليات سيزيدون عن دارسي التاريخ، لأن الإنسان أصبح أكثر ميلا لنفض الماضي والتطلع لمستقبله ويمتلأ رغبة في أن يمهد المستقبل حتى لا تفاجئه أحداث ومواقف لم يتحسب لها.

أما سؤالكم عن ماهية "الدراسات المستقبلية" فتعرف تلك الدراسات بأنها "العلم الذي يرصد التغير في ظاهرة معينة ويسعى لتحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل، وتوصيف ما يساعد على ترجيح احتمال على غيره".

وتهدف تلك الدراسات لبحث واستعراض الاحتمالات المختلفة للظاهرة، ولعل ذلك يرجع إلى رغبة الإنسان في معرفة غده، والاستعداد له.

كان الكثير من الحكام القدماء يسعون لمعرفة الغد القادم من خلال المنجمين، وكان للكثير منهم منجميهم، وكان المنجم يقدم نصحه المزعوم لهؤلاء الملوك والحكام بالإقدام أو الإحجام عن الحرب، وكان الكثير من هؤلاء الملوك ينصاعون لتلك التنجيمات.

وقدر رفض الإسلام تلك الضلالات، وفي حديث الإمام مسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

أما علم المستقبليات فليس تنجميا، ولا كهانة، ولا تخمينا، وحتى افتراءا، ولكنه علم له قواعده، وله أسسه ومناهجه.

أما تاريخ نشأته: عندما انتقلت المستقبليات من أحلام الفلاسفة، لتكون خططا مع العام 1921م، ومع وضع الحكومة السوفيتية خططا لتعميم الكهرباء في البلاد خلال خمس سنوات، فظهر مصطلح "الخطة الخمسية" بعد ذلك النجاح الكبير الذي حققته خطة تعميم الكهرباء حيث نجح التخطيط في إنجاز الهدف المستقبلي.

ومنذ تلك الفترة أخذت فكرة ذلك العلم المستقبلي تلح في الظهور، ثم جاءت طفرة أخرى مع إنشاء مجلة الغد في بريطانيا عام 1938، ودعوة المجلة لإنشاء وزارة للمستقبل.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تصاعد التفكير في المستقبل، وأنشأ الفيلسوف الفرنسي "غاستون بيرغر" عام 1957م المركز الدولي للاستشراف، وكانت غايته التشجيع على النظر للمستقبل من خلال الاهتمام بدراسة الظاهرة الاجتماعية والتطور التكنولوجي إضافة إلى الاهتمام بالسياسة والاقتصاد...

ثم جاءت الطفرة في علم المستقبليات مع العالم الفرنسي بيرتراند دو جوفنيل الذي تعاون مع مؤسسة فورد الأمريكية وتمكنا من إنجاز مشروع "المستقبلات الممكنة"، وظهر كتابه الرائد "فن التنبؤ" الذي أكد فيه أن المستقبل ليس قدرا بل مجال لممارسة الحرية من خلال التدخل الواعي في بنية الواقع القائم، لتحقيق الأفضل، وعلى هذا الأساس تم النظر إلى المستقبل على أنه متعدد وليس خيارا واحدا.

ثم تتابعت جهود العلماء لتأسيس هذا العلم، وهو ما أقنع بعض الحكومات الغربية للاهتمام بالدراسات المستقبلية، فأسست هولندا عام 1974 وحدة الدراسات المستقبلية، وكذلك اهتمت بريطانيا والسويد في تلك الفترة بتلك الدراسات، وفي الكتلة الاشتراكية كانت التركيز على الجوانب المادية مثل التصنيع والإنتاج.

وقد تطور الدراسات المستقبلية في اتجاهين:

 

*اتجاه المؤسسات ومراكز الأبحاث والدوريات العلمية في هذا الجانب، نحو دراسات مستقبلية ذات توجه عالمي أكثر منها إقليمي أو لدول معينة، وذات طابع شمولي أكثر منها التخصص في قطاع معين دون غيره، ويتضح ذلك في أن في أوروبا حاليا 124 هيئة تعمل في مجال الدراسات المستقبلية. لكن الملفت للنظر في هذا الجانب أن 67% من الدراسات المستقبلية تقوم بها الشركات متعددة الجنسية والمؤسسات العسكرية، كما أن 97% من هذا الإنفاق على الدراسات المستقبلية يتم في الدول المتطورة.

* الاتجاه المنهجي: الهادف لوضع أسس منهجية علمية لهذا العلم.

والحقيقة أن مهمة الدراسات المستقبلية هي اكتشاف طرق أو تقنيات تمكنا من تحسين قدراتنا على التخطيط المستقبلي،ونتمكن من تقليص فرص المفاجأة لنتدخل مسبقا لدفع الأمور في الاتجاه الذي يحقق مصالحنا…ولا تزعم الدراسات المستقبلية يقينية نتائجها، ولا تغرق في وصف المشهد التفصيلي، بل هي معنية بالاتجاهات.

يمكن الاستزادة من خلال:

وليد عبد الحي-مناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي-مركز الإمارات للدراسات والبحوث-الطبعة الأولى-2007

-وليد عبد الحي-دراسات مستقبلية في العلاقات الدولية: نماذج تطبيقية- مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت

الكلمات المفتاحية: الدراسات المستقبلية، المستقبل،