أيهما أولى ذبح الأضحية أم التصدق بثمنها؟

<p>أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها للفقراء؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالأمر هنا يختلف من حال إلى حال؛ فإن كان المسلم يعيش في بلد يكثر فيه ذبح الأضاحي، وانتشار هذه الشعيرة فيكون التصدق بالمال أولى، حيث إن حاجة الفقير هذه اليوم ليست الطعام وحده، وإن كان في مكان تقل فيه الأضاحي يكون الذبح أولى، وفرق بعض الفقهاء بين أن تكون الأضحية عن الحي فتكون أولى أو تكون عن الميت فتكون الصدقة أولى، وفي كل خير إن شاء الله تعالى.

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في فتوى مشابهة:

 

أما بالنسبة للحي، فإن الذبح أولى؛ لأن الذبح شعيرة وقربة إلى الله عز وجل ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، فنحن ننحر اقتداء بسنة أبينا إبراهيم، وتذكيرًا بذلك الحدث الجليل، حدث التضحية.

 

إبراهيم حين جاءه الوحي في الرؤيا، بأن يذبح ولده إسماعيل واستجاب لهذا الوحي، وذهب إلى ابنه وفلذة كبده، إسماعيل بكره الوحيد الذي جاءه على الكبر، وعلى شوق وفي غربة، فبعد هذا كله، وبعد أن رزقه الله، وبشّره بغلام حليم، وبلغ معه السعي، وأصبح يرجى منه؛ جاءه الوحي عن طريق الرؤيا الصادقة ليذبحه إنه امتحان.. وامتحان عسير.. على أب في مثل هذه السن، وفي مثل هذه الحال، وفي ولد ذكر نجيب حليم، وبعد أن بلغ معه السعي، في سن أصبح يرجى منه، كل هذا ويأتيه الأمر الإلهي: اذبحه! يريد الله أن يختبر.. قلب خليله إبراهيم، أما زال خالصًا لله عز وجل؟ أم أصبح متعلقًا مشغولًا بهذا الولد؟

 

هذا هو البلاء المبين.. والامتحان الدقيق العسير، ولكن إبراهيم نجح في الامتحان، ذهب إلى ابنه، ولم يرد أن يأخذه على غرة، ولا على غفلة، ولكن بصَّره بالأمر وقال له: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102].

 

ولم يكن في روعة موقف الوالد إلا موقف الولد فإنه لم يتمرد، ولم يتردد، بل قال في ثقة المؤمن وإيمان الواثق: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (نفذ ما لديك من أوامر) {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102) كلام يشيع منه الإيمان والقوة والتواضع والتوكل على الله.

 

لم يجعلها بطولة أو ادعاء للشجاعة، بل علّق ذلك على المشيئة (ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين) رد الأمر إلى الله، ووكّله إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يهب الإنسان اليقين، يمنحه الصبر، ويهبه قوة الأعصاب، {فَلَمَّا أَسْلَمَا} (الصافات: 103) أسلم الوالد ولده، وأسلم الولد عنقه، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه إلى جبينه، وأراد أن ينفذ ما أُمر به؛ جاءته البشرى، ﴿أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: 104 -107) جاءه جبريل بالكبش، وقال له: اذبح هذا بدلًا عن ابنك؛ فأصبحت سنّة في هذا اليوم؛ نضحي تذكيرًا بهذا الحدث.

 

الأمم دائمًا تحاول أن تُخلِّد أحداثها، وتجسد ذكرياتها العظيمة وتحتفل بأيام مجدها.. يوم الاستقلال.. يوم الجلاء.. يوم النصر... إلخ؛ فكذلك هذا اليوم من أيام الله، من أيام الإنسانية، من أيام الإيمان، هذا يوم بطولة خالدة، خلَّده الله بشعيرة الأضحية.. فالمسلم يضحي في هذا اليوم، وذلك سنة وهو أفضل من التصدق بثمنها؛ لأنه لو تصدق كل الناس بثمن أضاحيهم، فمعنى ذلك أن هذه الشعيرة تموت، والإسلام يريد أن يحييها، فلا شك أن الذبح أفضل، ولكن هذا في حق الحي، وهو من يضحي عن نفسه وعن أولاده.

 

ولكن إذا كان للإنسان ميت، ويريد أن يهدي إليه في قبره ثوابًا، فماذا يصنع؟ هل يذبح؟ أم يتصدق بالثمن؟

 

القول الذي أرجحه وأرتاح إليه؛ أنه في البلد الذي تكثر فيه الذبائح ويكون الناس في غنى عن اللحم؛ يكون في هذه الحالة التصدق بثمن الأضحية عن الميت أفضل؛ لأن الناس كلهم عندهم لحوم، وكلهم مستغنون يوم العيد وفي اليومين التاليين له، ولكن لعل أكثرهم بحاجة إلى دراهم يشتري بها ثوبًا لابنته، أو لعبة لابنه، أو حلوى لأطفاله أو غير ذلك، فهم في حاجة إلى من يوسِّع عليهم في هذه الأيام المباركة أيام العيد وأيام التشريق؛ فلهذا تكون الصدقة عن الميت أفضل من الأضحية في مثل هذه البلاد.

 

أما في البلاد التي يقل فيها اللحم، ويكون الناس في حاجة إلى اللحوم؛ ففي هذه الحالة، إذا ضحّى الإنسان عن الميت ووزع لحم الأضحية عن ميته يكون أفضل. هذا هو الذي أختاره في هذه الناحية.

 

ثم هناك أمر آخر، وهو أن الميت تشرع الصدقة عنه بإجماع المسلمين، لم يخالف فيها أحد، فهنا أمران لم يخالف فيهما مذهب: الصدقة عن الميت، والدعاء والاستغفار له، أما ما بعد ذلك مثل: أن تقرأ عنه القرآن، أو تذبح عنه، أو غير ذلك؛ فكل هذه الأمور فيها خلاف.

 

ولذا فالمتفق عليه خير من المختلَف فيه؛ ولهذا أقول: بالنسبة للحي، الأفضل أن يذبح عن نفسه وأهله، وبالنسبة للميت، إذا كان البلد في حاجة إلى اللحم يذبح عن الميت ويضحي عنه، وإذا كان البلد في غير حاجة إلى اللحم؛ فالأولى أن يتصدق بالثمن.

 

والله تعالى أعلى وأعلم