الاهتمام بالقرآن الكريم إداريًّا ومؤسسيًّا

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف يكون الاهتمام الإداري والمؤسسي بالقرآن الكريم حتى يؤتي هذا الاهتمام الثمرة المرجوة منه تعليمًا وحفظًا؟ وهل من نموذج عملي في ذلك؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، من أعظم النعم أن يستخدمنا الله في خدمة القرآن الكريم، وأن يقيض الجهود الرسمية والمؤسسية والمجتمعية لتتكاتف جميعًا في خدمة تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، ومن الأمثلة العملية على ذلك اهتمام دولة الكويت بالقرآن وإنشاء دار القرآن في ربوع البلاد بفروعها الرجالية والنسائية لتخريج حافظين وحافظات لكتاب الله.

 

وسأذكر مراحل تعليم وتحفيظ القرآن من الكتاتيب إلى إنشاء دار القرآن في دولة الكويت، ثم أطوف بك الأخ الكريم حول الواقائع بتواريخها المعلنة وأمكنة وقوعها.

 

وبعدها أتحدث عن موقفين من مواقف الحياة، وهما: مناسبات الأفراح، وضرورة إعلان الإنسان عن هدفه ليكون محفزًا له في تحقيقه.

 

اهتمام دولة الكويت بحفظ القرآن

 

لا شك أن خدمة القرآن الكريم أمر عظيم. ودولة الكويت تولي حفظ القرآن أهمية بالغة، وأنشأت وزارة الشؤون الإسلامية في دولة الكويت حلقات كثيرة لحفظ القرآن في مساجد كثيرة، منها مركز تحفيظ القرآن في مسجد البشر بمنطقة مشرف، الذي كان يتولى رعايته الشيخ محمد ندا الشوادفي رحمه الله.

 

والعجيب في الأمر! أن وزارة الشؤون الإسلامية تعطي مكافأة مالية مقدارها 120 دينارًا لمن يحفظ جزأين بامتياز و80 دينارًا لمن يحفظ جزءا واحدا بامتياز. ويعلم المشاركون في تلك الحلقات أن حفظهم للقرآن هو بنية خالصة لله، وليس مرتبطًا بهذه المكافأة، لكنهم لا يرفضونها؛ لأنهم في الأصل لم يسعوا إليها. إن الشعور الذي يغمرك حينما يتم استدعاؤك لأخذ المكافأة المالية، هو شعور جميل ومحفز للنفس.

 

دار القرآن

 

كان حفظ كتاب الله تعالى وترتيله وتجويده هو الهدف الأساسي الذي من أجله أُنشئت دور القرآن الكريم، ويأتي هذا الاهتمام لما تميزت به دولة الكويت منذ عقود بحفظ القرآن الكريم عن طريق الكتاتيب في بيوت الله تعالى. ووفقًا لهذه السُّنة الحميدة التي أرسى قواعدها الآباء والأجداد، تابعت إدارة الدراسات الإسلامية في وزارة الشؤون الإسلامية مسيرتها المباركة في تعليم القرآن الكريم وتحفيظه، ونشر علومه بين المسلمين على اختلاف جنسياتهم، ومستوياتهم العلمية، مواكبة للنهضة العلمية والمدنية الحديثة في هذا العصر "التكنولوجي".

 

ولذلك أنشأت الوزارة أول دار للقرآن الكريم للرجال في العام 1971م في المركز الرئيسي بمحافظة العاصمة (دروازة عبدالرزاق)، وانتسب إلى ذلك المركز عدد لا بأس به من الرجال لحفظ القرآن الكريم، ثم تواصلت جهود العاملين المخلصين في الإدارة من أجل نشر هذا الخير ليكون شاملاً لجميع فئات المجتمع، فأنشأت داراً للقرآن خاصة بالنساء في العام 1977م في مدرسة أم عطية الأنصارية بضاحية عبدالله السالم، وبحمد الله تعالى ومنته تخرجت أول دفعة من الرجال سنة 1977م، ليكونوا خير رسل لتعليم القرآن الكريم في دوائرهم الاجتماعية المختلفة، ثم تخرجت أول دفعة من النساء سنة 1983م.

 

وإدارة الدراسات الإسلامية في وزارة الشؤون الإسلامية تفخر بهذا الإنجاز السامي الذي يرعى خدمة كتاب الله، إذ تخرج في هذه الدار الآلاف ممن تعلموا قراءة القرآن الكريم وتلاوته وحفظه وتجويده وسائر علومه بين الأوساط المختلفة.

 

وحاليًا، بحمد الله تعالى وبعد مرور عقود على إنشاء أول دار للقرآن الكريم، زاد عدد المراكز لدور القرآن الكريم للرجال والنساء، وانتشرت في أنحاء الكويت، وبلغ عددها 90 مركزًا لتحفيظ القرآن الكريم وعلومه، يدرس فيها -بفضل الله تعالى- نحو 20 ألف دارس ودارسة من مختلف الجنسيات والمستويات العلمية، وتولى عدد منهم مناصب إدارية وقيادية.

 

ونظراً للإقبال المتزايد على هذه الدراسات الإسلامية، وتوسع الوزارة في إنشاء المزيد من المراكز المتعددة للرجال والنساء في المحافظات الست، كان لا بد من مواكبة هذا التوسع والعمل على تحديث النظام وتطويره بما يلائم عصر الثقافة الحديثة، والعولمة الجديدة، فأنشأت الوزارة معهد الدراسات الإسلامية في العام 1978م؛ تلبية لحاجة المجتمع من المخرجات الشرعية للتدريس الشرعي، وتحفيظ القرآن الكريم في بيوت الله تعالى، ثم تم افتتاح أول معهد للنساء في العام 1984م.

 

كما أنشأت الوزارة عددًا من المراكز في المؤسسات الإصلاحية ودور الرعاية الاجتماعية، مساهمة منها في تعليم القرآن الكريم لجميع شرائح المجتمع.

 

وأفسحت الوزارة المجال أيضًا للجاليات الإسلامية بدولة الكويت، وأنشأت مراكز للناطقين باللغة الأوردية والفلبينية في منطقتي الفروانية والفحيحيل، والإدارة بصدد دراسة افتتاح مراكز جديدة نظراً للإقبال الجماهيري على الدراسات الشرعية، كما افتتحت دارًا للقرآن الكريم باللغة الإنكليزية "المركز الثقافي الإسلامي" في محافظة مبارك الكبير. نسأل الله العلي القدير أن ييسر ذلك إن شاء الله تعالى، لما فيه خير ونفع للمسلمين والجاليات الإسلامية التي تقيم في دولة الكويت.

 

وكل هذا إيمانًا منها بالدور المنوط بها في رعاية كتاب الله تعالى والعمل على تعليمه، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه. المصدر: (http://www.douralquran.com).

 

مناسبات الأفراح

 

مناسبات الأفراح لدى الناس كثيرة، منها: زواج صديق، وقدوم مولود جديد، وحصول على ترقية، وزيادة في راتب، ونيل شهادة أكاديمية، ونجاح في امتحان، وقدوم من سفر، وشفاء من مرض، وتعيين في وظيفة، ووفاء دين، ولم شمل أسرة، وانتصار على عدو، وإتمام حفظ القرآن، وحصول على إجازة قرآنية، وإتمام مشروع، وتحقيق ربح، وإنشاء مؤسسة، واحتفال باستقلال بلد.

 

ولا ننسى الأعياد الإسلامية؛ عيدي الفطر والأضحى.. كل تلك المناسبات هي مناسبات فرح، ويبذل فيها الناس شيئًا من المال للتعبير عن فرحتهم. في ذلك اليوم بعثت ظرفًا بريديًّا يحوي 100 دينار هدية، بمناسبة زواج صديق عزيز. إن فرحته بتلك الهدية جعلتني أكون فرحًا، وأكون أكثر حيوية.

 

الإعلان عن الهدف

 

كنت في زيارة لمركز الراشد للتنمية الاجتماعية في دبي. وكان الدكتور صلاح الراشد – المدير العام للمركز - موجودًا هناك، فعرفني إلى أخت إماراتية، وهي أول سيدة تتقلد منصب وكيلة وزارة في الإمارات. وقال لي: إنها تود أن تستشيرك في أمر يخصها، فقلت لها: أنا على أتم الاستعداد. كيف أساعدك؟

 

فقالت: لقد وضعت لنفسي -منذ زمن بعيد- هدفًا، وهو أن أنهي درجة "الدكتوراه" في نوفمبر 2001م. ولم يبق على ذلك سوى 3 أشهر. وأنا الآن وكيلة وزارة، وكثرت أشغالي. ولا أعرف ما أفعل حتى أحقق هدفي، فهل لي عندك من نصيحة؟

 

قلت لها: أهنئك على وجود خطة واضحة لديك، وهدف تريدين تحقيقه.

 

أولا، استمري في خطتك لتحقيق هذا الهدف.

 

ثانيًا، لا تلغِ هذا الهدف أبدًا؛ لأن هدف الحصول على درجة "الدكتوراه" هدف نبيل.

 

ثالثًا، عليك أن تؤجلي تحقيق الهدف سنةً أو سنتين، بحسب ما ترين أنت من قدراتك وانشغالاتك. رابعا، عليك أن تعلني عن هذه الخطة أمام الجميع.

 

فقالت: حسنا سأعمل بنصيحتك. وبعد اللقاء مباشرة، أعلنت أمام الجميع أن هدفها المتمثل في نيل درجة "الدكتوراه" تأجل من نوفمبر 2001م إلى نوفمبر 2002م.

 

ومن الذين سمعوا بتصريحها سعادة الوزير، الذي استدعى مباشرة السيدة الوكيلة، وقال لها: سأقف إلى جانبك، وسأساندك، وأدعمك حتى تحصلي على درجة "الدكتوراه". ويأتيني الخبر في مارس 2003م، أن السيدة الوكيلة صارت دكتورة؛ فإعلانها عن هدفها للناس أعطاها حافزًا لتحقيقه.

 

لا شك أن الإنسان إذا وضع لنفسه خطة، وأخذ يستعد لتحقيقها، وكانت ذات معالم واضحة، وهدف محدد، وكان بعيدًا عن اليأس، ومعه تشجيع الآخرين، فإنه سيحقق ذلك. وكذلك تعلمت - من هذه القصة - أن الهدف إذا كان ساميًا ونبيلاً فممنوع إلغاؤه، لكن يمكن تأجيل تحقيقه.

 

وهذا المعنى موجود في تراثنا، فأنتم تذكرون قصة صلح الحديبية. فالنبي العربي -صلى الله عليه وآله وسلم- غادر المدينة المنورة مع أصحابه الكرام بغرض أداء العمرة في مكة، لكن الكفار منعوه. وصار هناك عائق بينهم وبين تحقيق هدفهم، وهو أداء العمرة. ووقّعت معاهدة صلح الحديبية في السنة السادسة بعد الهجرة.

 

أما الهدف فقد تم تأجيله إلى السنة السابعة بعد الهجرة، وعرفت تلك العمرة بعمرة القضاء. وانظروا إلى كلمة القضاء، فهي توضح أن الهدف تم تأجيله، وصار هدفا مقضيًّا. لذا، لا يوجد لدي مانع من تأجيل الأهداف وإعادة الإطار الزمني لها، لكن المهم هو التشبث بها –ما دامت أهدافا نبيلة وسامية- حتى تتحقق.

 

الخلاصة:

 

من نعم الله علينا أن يحعلنا في خدمة القرآن الكريم بكل صور الاهتمام به. وما أجمل أن نشارك الناس أفراحهم.. وعلى المرء أن يعلن أهدافه أمام الجميع حتى يكون ذلك محفزًا له على تحقيقها.