كيف أُجيب على أسئلة طفلي المُحرجَة؟

<p>أنا أم لطفل يبلغ من العمر ست سنوات، سألني فجأة: &quot;<strong>ماما، كيف جئت إلى الدنيا؟ كيف وُلـدت؟</strong>&quot; شعرت بالارتباك ولم أعرف كيف أجيبه بطريقة تناسب عمره، ولا أريد أن أكذب عليه أو أن أقدّم له معلومات غير صحيحة، وفي الوقت نفسه أخشى أن أفسد براءته بمعلومات لا تناسب وعيه الصغير.</p> <p>فكيف يمكنني التعامل مع هذه الأسئلة المحرجة التي تتعلق بالمعتقدات أو الأمور الجنسية بطريقة تربوية صحيحة، تجمع بين الصدق والبساطة، وتعزز القيم الإسلامية، ولا تجعله يلجأ للبحث عن إجابات في أماكن غير موثوقة؟</p>

أختي الكريمة، أسعدكِ الله بطفلكِ وبارك لكِ في تربيته، وأسأل الله أن يجعله قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة.

 

واعلمي يقينًا أن سؤاله هذا طبيعي جدًّا، بل هو علامة جيدة تدل على نمو عقله، وفضوله الصحي، ورغبته في المعرفة. الطفل في هذه المرحلة يسأل ليفهم العالم من حوله، وليس بدافع سوء النية أو التفكير في أمور لا تليق. وهنا تأتي حكمة الوالدين في تقديم إجابة تتناسب مع عمره، وتعزز عنده الثقة بوالديه كمصدر رئيسي للمعلومات، حتى لا يلجأ إلى الآخرين أو إلى الإنترنت بحثًا عن إجابة قد تكون مغلوطة أو غير مناسبة.

 

وإليكِ الآتي:

 

أولًا: كيف أفهم دوافع سؤال طفلي؟

 

قبل الإجابة على السؤال، من المهم أن تفهمي سبب سؤاله، وطريقة تفكيره، وما الذي يدور في ذهنه.

 

* هل سمع حديثًا من زملائه في المدرسة أو من أقاربه؟

 

* هل رأى امرأة حاملًا وتساءل كيف يأتي الطفل؟

 

* هل شاهد صورة لمولود جديد وأراد معرفة القصة؟

 

بمجرد معرفة السبب، يمكنك صياغة إجابة مناسبة لعمره، بحيث تكون صحيحة، مبسطة، دون تفصيل غير ضروري.

 

ثانيًا: إجابة تناسب المرحلة العمرية للطفل

 

1) للأطفال من 3-6 سنوات: الإجابة بالبساطة والتشبيه، يمكنكِ الإجابة بطريقة بسيطة جدًّا، مثل: "حبيبي، الله سبحانه وتعالى خلقك في بطني، كما يزرع الفلاح البذرة في الأرض، ثم كبرت شيئًا فشيئًا حتى جاء وقت ولادتك، فأخرجك الطبيب، وكنت أجمل هدية من الله لنا". وهذا الجواب يحقِّق عدة أهداف: يربط الطفل بقدرة الله وحكمته، يجيب على سؤاله دون الخوض في تفاصيل لا تناسب سنه، ويستخدم التشبيه بالزِّراعة، وهو مفهوم مألوف للطفل، ويقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾، أي أنَّ الله هو الذي خلقنا داخل أرحام أمهاتنا ورعانا حتى حان وقت ولادتنا.

 

2) للأطفال من 7-10 سنوات: الجمع بين العلم والدين: عند هذا العمر، يمكن توضيح بعض الجوانب العلمية البسيطة دون خوض في التفاصيل، ويمكنك أن تقولي: "عندما يتزوج الأب والأم، يمنحهما الله نعمة الإنجاب، فيتكوّن الطفل داخل بطن الأم في مكان مخصص له اسمه الرحم، وهناك ينمو شيئًا فشيئًا حتى يصبح قويًا، ثم يأتي الطبيب ليساعده على الخروج للحياة"، وهنا أضفتِ المفهوم الديني (نعمة الإنجاب من الله)، وأشرتِ إلى المفهوم العلمي (الرحم والنمو)، وتجنبتِ التفاصيل غير المناسبة للعمر، وفي الحديث: "إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح...".

 

3) للأطفال فوق 10 سنوات: التدرج في تقديم المعلومات: ففي هذه المرحلة، يكون الطفل قادرًا على فهم معلومات علمية أكثر دقة، ولكن من المهم تقديمها ضمن إطار إسلامي وأخلاقي، وربطها بالقيم، ويمكنك أن تستخدمي كتابًا علميًّا مبسطًا، وتشـرحي له أن الله خلق البشـر بطريقة مميزة، حيث يجتمع جزء من الأب مع جزء من الأم بأمر الله، ثم ينمو الجنين داخل الرحم، مع التأكيد على أن هذه المعلومات يجب أن تؤخذ من الوالدين فقط، وليس من الأصدقاء أو الإنترنت.

 

ثالثًا: استثمار هذه الأسئلة في التربية الإيمانية والأخلاقية

 

1) ترسيخ عظمة الله وحكمته: أكدي أن الله هو الخالق المصوّر، وأنه يخلق الإنسان في أحسن صورة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، واستخدمي أسلوب التفكّر؛ لتشغيل عقله: "تخيل لو لم يكن لدينا أمهات يحملننا في بطونهن، كيف كنا سنأتي إلى الحياة؟".

 

2) تعزيز القيم والأخلاق في الحديث عن الزواج والإنجاب: وعند الحديث عن كيفية خلق الإنسان، اربطي ذلك بالزواج كنعمة من الله، وعَلِّمي طفلك أن الإسلام دين الطهارة والاحترام، وأن هذه المعلومات ليست للحديث العشوائي، بل تُؤخذ من المصادر الموثوقة فقط.

 

3) غرس الرقابة الذاتية في معرفة المعلومات: علِّميهِ أن هناك أمورًا يجب أن يسأل عنها والديه فقط، وأنه ليس كل سؤال يسمعه من الأصدقاء يكون صحيحًا، واستخدمي معه أسلوب الحوار: (إذا سمعت شيئًا غير واضح، تعالَ إليّ وسأشرح لك بطريقة تناسبك).

 

رابعًا: نصائح عملية للمربين في التعامل مع الأسئلة المحرجة

 

* لا تتجنب السؤال أو تؤجل الإجابة، حتى لا يبحث الطفل عن إجابات من مصادر خاطئة.

 

* لا تكذب على الطفل؛ لأن الكذب قد يجعله يفقد ثقته بوالديه.

 

* استخدم أسلوب التدرج في تقديم المعلومات بما يناسب عمر الطفل.

 

* اجعل الإجابة إيجابية؛ فالتربية ليست مجرد تجنب الأسئلة، بل تحويلها إلى فرص تعليمية.

 

* راقب مصادر معرفة الطفل، خاصة الإنترنت؛ لأن هناك معلومات قد تكون مضللة أو غير مناسبة.

 

* علم الطفل أن هذه الأمور جزء من خلق الله وحكمته، فلا يخجل منها، لكنه يتحدث فيها بأدب واحترام.

 

وأخيرًا: التربية بين الحياء والتوعية

 

إن أسئلة الأطفال حول الولادة والجنس والمعتقدات ليست مشكلة؛ بل فرصة تربوية عظيمة، إذا أحسنّا استثمارها بشكل صحيح، فبالحكمة والتدرج: يمكننا أن نغرس في أطفالنا القيم الصحيحة، ونكون مصدرهم الأول للمعرفة، فينشأ جيل متوازن فكريًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، واعلموا أيها الكرام بأنّ أبناءنا وبناتنا يبحثون عن الحضن الدافئ في بيوتنا، فإذا لم يجدوه عندنا بحثوا عنه في خارج البيت، وهنا تكون المصيبة، فاحفظوا أولادكم، واقتربوا منهم، وصاحبوهم، وكونوا لهم قدوة وشامة دائمًا.

 

اللهم بارك لنا في أبنائنا، واجعلنا لهم قدوة حسنة، وارزقنا الحكمة في تربيتهم، اللهم آمين. وأكرر شكري لكِ أختي السائلة؛ فقد أتيحت الفرصة من خلال سؤالك لمخاطبة المربين في كل مكان، حول هذه القضية المهمة للغاية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.