<p>ما حكم من يكتب كل ما يملك للبنات حتى لا يرث الأعمام معهم بحجة أنهم يحتاجون إلى المال، وأعمامهم أغنياء.</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه مشكلة يقع فيها بعض المسلمين، ويظنون أنهم يحسنون صنعًا، يحسبون أن مفاتح الرزق بأيديهم، يعطون هذا ويحرمون هذا، يعطون الأولاد الذكور ويحرمون الإناث، أو يعطون الإناث ليحرموا الأعمام والعصبات، والله سبحانه لم يترك مسألة الميراث لأحد، ولا للنبي نفسه صلى الله عليه وسلم ولكن تولى تقسيمها تقسيمًا عادلاً، في آيات محكمات، قطعية الثبوت قطعية الدلالة.
ولا يجوز البيع والشراء الصوري بقصد حرمان فئة من الميراث بأي حجة من الحجج الباطلة، وسواء أكان الورثة أغتياء أم فقراء فهذا لا يؤثر على نصيبهم في الميراث، والإنسان وإن كان حرًّا في التصرف في ماله حال حياته، لكن هذه الحرية وهذا الحق مقيد بعدم القصد بإضرار الآخرين.
ولئن يترك المورث أولادة متحابين متآلفين مع بعضهم البعض، ومع أعمامهم وأبناء أعمامهم أفضل لهم من إثار فئة على حساب فئة أخرى وترك الحقد والحسد يأكل علاقتهم، ويقطع أرحامهم.
روى البخاري بسنده عن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع فرد عطيته.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله- في الإجابة عن فتوى مشابهة:
لا يحل لوالد أن يحرم بعض أولاده من الميراث، فلا يحل له أن يحرم الإناث أو يحرم أولاد زوجة غير محظية عنده. كما لا يحل لقريب أن يحرم قريبه المستحق من الميراث بحيلة يصطنعها؛ فإن الميراث نظام قرَّره الله بعلمه وعدله وحكمته، وأعطى به كل ذي حق حقه، وأمر الناس أن يقفوا فيه عند ما حدده وشرعه. فمن خالف هذا النظام في تقسيمه وتحديده فقد اتهم ربه.
وقد ذكر الله شؤون الميراث في ثلاث آيات من القرآن قال في ختام الآية الأولى: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً} (النساء: 11)، وقال في ختام الآية الثانية: {غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيم * تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (النساء: 12-14)، وقال تعالى في ختام الآية الأخيرة من الميراث: {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النساء: 176) آخر سورة النساء. فمن خالف عما شرع الله في الميراث فقد ضل عن الحق الذي بينه الله، وتعدى حدود الله عز وجل، فلينتظر وعيد الله {نارًاً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (النساء: 14).
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم