صدمتني بمرضها بعد العقد.. هل أكمل الزواج؟!

<p>أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري، وقد تمت خطبتي قبل أربعة أشهر، وتم عقد القران قبل شهر. زفافي مقرَّر له بعد شهرين. علاقتي بخطيبتي كانت جيدة في المجمل، فيها تفاهم ومودة، وكنت أظن أنني أعلم عنها كل شيء. لكن منذ أسبوع تقريبًا، اعترفت لي بأنها تعاني من مرض السُّكري من النوع الأول، إلى جانب إصابتها بمرض الصَّدَفية المزمنة<span dir="LTR">.</span></p> <p>الذي صدمني أنها أخفت عني الأمر طوال مدة الخطبة، ولم يُخبِرني أحد من أهلها بشيء، وكأن الأمر لا يستحق الذكر! علمًا بأنها تتلقى العلاج منذ سنين، وتخضع لنظام دوائي وغذائي معيّن، ولم تُشر إلى شيء من ذلك قط<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا الآن أشعر بخيبة أمل وصدمة نفسية؛ فقد كنت أظن أننا شريكان في كل شيء، فكيف لها أن تُخفي عني أمرًا صحيًا بهذه الخطورة؟ ثم إن هذه الأمراض قد تُورث للأبناء، بل وقد تؤثر على علاقتنا الزوجية في المستقبل<span dir="LTR">.</span></p> <p>لم أعد قادراً على التواصل معها، وقد تجاهلت رسائلها ومكالماتها منذ أيام، وأشعر أنني لم أعد مطمئنًا للاستمرار<span dir="LTR">.</span> هل ما فعلته يُعدّ غشًا في نظركم؟ وهل من الحكمة أن أتمّ هذا الزواج رغم تلك المخاوف؟</p>

ابني الفاضل،

 

بدايةً، أحيي فيك حرصك على اتخاذ قرارك في الزواج برويّةٍ ومسؤولية؛ فالعلاقة الزوجية ليست مجرّد ارتباط شكلي، بل هي عقد ميثاقٍ غليظ، يتطلّب الوضوح والصدق والرحمة المتبادلة.

 

لقد ذكرت في رسالتك أنك تشعر بالخذلان لأن خطيبتك أخفت عنك أمرًا صحيًّا مهمًّا، وهذا الشعور طبيعي ومشروع، فالثقة تُبنى على الصراحة، وأي خلل في هذا الأساس يترك أثرًا نفسيًّا واضحًا.

 

لكن دعنا نقف وقفة تأملية عقلانية، وننظر في الأمر من زواياه المختلفة:

 

أولًا: هل ما فعلته خطيبتك يُعدّ خيانة أو غشًّا؟

 

لا يمكن الجزم بأن ما فعلته خيانة بالمعنى الحرفي، لكنّه يقينًا تقصيرٌ في الشفافية. كان من واجبها –ومن واجب أسرتها كذلك– أن يُفصحوا عن حالتها الصحية قبل إتمام العقد، لا سيّما أن هذه الأمور قد تؤثر مستقبلاً على خيارات الإنجاب أو العلاقة الحميمة، وربما حتى على الحالة النفسية للطرف الآخر.

 

ومع ذلك، علينا أن نضع في الاعتبار أيضًا أن بعض الفتيات قد يُخفين مثل هذه الأمور بدافع الخوف من الرفض أو النبذ، خاصة في مجتمعات لا تُحسن دائمًا التعامل مع المرضى، رغم أن المرض ابتلاء وليس سُبّة أو عيبًا يُخفى.

 

ثانيًا: هناك بُعد نفسي تربوي لما تمرّ به الآن

 

فإن ما تعانيه من صدمة وخيبة أمل يدخل ضمن ما يُعرف نفسيًّا بـ "صدمة التوقّعات"، وهو نمط من الاستجابة النفسية يحدث عندما ينهار تصورك عن شخص ما فجأة بسبب معلومة صادمة.

 

في مثل هذه الحالات، يتولّد نوع من "الانسحاب العاطفي المؤقت" (Emotional Withdrawal)، وهو ما فعلته الآن حين توقفت عن التواصل معها.

 

وهذه آلية دفاع نفسي تلقائية، لكنها إن طالت، قد تؤدي إلى قرارات غير ناضجة، مصدرها الانفعال لا الحكمة.

 

ثالثًا: إذا نظرنا للأمر من زاوية علم النفس التربوي والزواجي

 

فسوف نجد أن الزواج الناجح لا يقوم فقط على "خلو الطرفين من العيوب"، بل على مدى قدرتهما على التعامل مع العيوب والاختلافات في شريك الحياة بوعي ورُقيّ.

 

وتحديدًا في علم النفس الزواجي أو الـ(Marital Psychology)، يتم التركيز على ما يُعرف بـ"تكافؤ التقبُّل"، أي: هل الطرف الآخر مستعد أن يتعامل مع نقاط ضعفك بوعي ورحمة؟ وهل أنت مؤهل أن تفعل الشيء ذاته؟

 

يا بني، إن قرار الزواج لا يُبنى على العاطفة وحدها، ولا على التخوّف من المرض وحده، بل على مجموعة من العوامل منها:

 

- مدى تفهمك لطبيعة مرضها.

 

- كذلك إمكانية التكيف معه.

 

- وقبل كل شيء، درجة الصدق والندم الذي أبدته بعد اعترافها.

 

 

رابعًا: لا بد أن نضع في الاعتبار البُعد الديني والأخلاقي لما حدث

 

قد جاء في الحديث الشريف: "من غشّنا فليس منّا". وقد اعتبر العلماء إخفاء العيب المُؤثر عن الخاطب من الغش، لا سيما إن كان المرض قد يُحدث أثرًا بيّنًا على الحياة الزوجية، وقد وصل الحد إلى أن بعض علماء الدين نادوا بإبطال عقد الزواح حال التدليس.. وما فعلته خطيبتك وأهلها يعتبر تدليسًا بينًا؛ لذلك أنا هنا أدعوك إلى الرجوع إلى دار الإفتاء أو لجنة الفتوى، حتى يقرروا لك مشروعية العقد حاليًا من عدمه ويفتوا في هذا الأمر.

 

وقبل أن تبني قرارًا مصيريًّا على مجرّد الخوف من الوراثة، فسوف يحتاج الأمر إلى استشارة طبية دقيقة، خاصة أن أمراض المناعة الذاتية والسكري ليست حتمية التوارث، وإنما تُعدّ من الأمراض متعددة العوامل، أي أن العامل الوراثي فيها احتمالي لا يقيني.

 

خامسًا: ما ينبغي أن أنصحك به فهو الآتي:

 

1- توقّف عن تجاهلها، وابدأ بجلسة مواجهة هادئة، تُظهر فيها استياءك من الإخفاء، لكن دون تجريح.

 

2- اطلب منها تحليلاً طبيًّا شاملاً وتقارير واضحة حول حالتها المرضية التي تخص السكر والصدفية، ثم راجع طبيبًا موثوقًا لتقدير المخاطر الفعلية لكل مرض على حدة، لا المخاطر المتخيَّلة أو المحتملة.

 

وتستطيع كذلك أن تسألهما عما إذا كان أي مرض منهما يمكن أن يؤثر على الحميمية أو الإنجاب أو احتمالية أن يورث إلى الأبناء؟

 

وبالنسبة للصدفية هل العلاج يستطيع أن يقضي عليها تمامًا ولن ينتقل إليك كعدوى من العلاقة الخاصة أو الحياة اليومية عمومًا؟

 

ثم عليك أن تسأل نفسك: هل أنت سوف تتقبل شكل جسدها وهي مصابة طيلة فترة الإصابة وما بعدها من آثار على الجلد؟ أم أنك لن تتحمل وربما جرحتها بكلامك؟

 

3- انظر إلى قلبك:

 

هل تشعر أن الاحترام والثقة يمكن أن يُعاد بناؤهما؟ أم أن الشرخ أصبح عميقًا وثقتك فيها أصبحت ضئيلة؟

 

4- كل ما سبق لا بد أن تطرحه على نفسك وتضعه نصب عينيك.

 

وقبل أي خطوة عليك أن تستخير الله تعالى، وبعدها لك في النهاية حرية الاختيار بدون أن تضع حالك في ضغط نفسي، أو تقرر الاستمرار شفقة بها؛ فالحياة الزوجية تبنى علي قناعة كبيرة.. ثم لا ضرر ولا ضرار.

 

* همسة أخيرة:

 

لا تتعجّل قرار الانفصال، أو الإكمال، بل خذ وقتك، وادرس الأمر بعقلك وقلبك معًا. قال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، فلا تجزع لما حدث.

 

إن قررت الانفصال، فيمكنك التشبث برأيك، مؤكدًا على أنه بسبب كذبها عليك وإخفائها عنك، لا بسبب مرضها حتى لا تسبب لها جرحًا.

 

أسأل الله أن يرزقك السكينة، والهدى، وحسن الاختيار والقرار.