كيف أواجه الفتن وأحفظ نفسي وأسرتي في هذا الزمان الصعب؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو من الله أن يبارك فيكم وفي عملكم وأن يجعل كل نصائحكم في ميزان حسناتكم.</p> <p>أنا شاب متزوج وعندي بنتين، الحمد لله، وبحاول دايمًا أكون أب صالح وزوج مخلص، لكن بصراحة الأمور مش سهلة. الجو حوالينا أصبح صعب جدًا، وكل شيء صار غير ما كنا نتمنى. الرذيلة منتشرة بشكل ما فيش له حصر، والقوانين الغربية عم بتدخل في حياتنا بدل من قوانين ديننا، خصوصًا في قضايا الأسرة والعلاقات.</p> <p>هذا الجو الفاسد خلاني أخاف على نفسي وعلى إيماني، وقلقني على عائلتي ومستقبل بناتي. مع كل اللي عم بشوفه من حولي، بحس إني ممكن أضعف وأفقد توازني الروحي.</p> <p>يعني كيف ممكن أواجه هالجو اللي كل يوم بيزيد فيه الفساد؟</p> <p>كيف بدي أحافظ على إيماني في هذا الزمان الصعب؟</p> <p>وكيف أحمي عائلتي من هالشيء؟</p> <p>أحيانًا بتراودني أفكار عن قدرتي على الثبات في وجه كل هذا، وهل رح أقدر أظل ثابت على ديني، وهل رح أقدر أكون قدوة لبناتي في ظل هذا الضغط؟</p> <p>كيف أقوي إيماني وأثبت على دين الله في ظل هالظروف؟</p> <p><span dir="RTL">وهل في خطوات عملية أقدر أتبعها في حياتي اليومية؟ </span></p>

أخي الكريم، جزاك الله خيرًا على تواصلكم معنا، وثقتكم الغالية فينا. وأدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك فيك وفي أهلك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب، ويجعل كل عمل تقوم به في ميزان حسناتك. أسأل الله أن يثبتك على دينه، وأن يحفظك من كل شر وفتنة، وأن يرزقك الإيمان الكامل واليقين الراسخ، وبعد...

 

فإن ما تشعر به –أخي الحبيب- يدل على قلبك الطيب وإيمانك القوي، رغم الضغوط والفتن التي تحيط بك من كل جانب. فالإنسان إذا أصابه القلق على دينه وأسرته في زمن الفتن، كان ذلك دلالة على أن في قلبه نورًا من الإيمان.

 

وما طرحته من أسئلة هي في الحقيقة أسئلة يتداولها كثيرون في هذا الزمان الذي كثرت فيه المحن والابتلاءات، وقلَّت فيه أسباب الثبات على الطريق القويم.

 

نحن نعيش في واقع صعب؛ حيث تكثر الفتن، وتتسلل القيم الغربية إلى حياتنا، مما يجعل الشخص يشعر بالخوف والقلق في ظل هذه المتغيرات. ولكن تذكر -أخي العزيز- أن هذه الحياة بكل ما فيها من صعوبات، هي دار اختبار، وأن كل دقيقة تمر عليك في هذا الطريق هي فرصة لك لتحقق رضا الله تعالى.

 

كيف أواجه هذا الجو الفاسد؟

 

في البداية، يجب أن ندرك أنه في كل عصر وكل زمان، كانت هناك فتن وفتن كبرى. وقد بيَّن لنا النبي ﷺ كيف نواجه تلك الفتن، وذلك بالمبادرة بالأعمال الصالحة، يقول ﷺ: «بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» [رواه مسلم].

إن ثبات الإنسان على دينه في هذا الزمان يحتاج إلى يقينٍ كبير وإيمانٍ راسخ، مع الالتزام بتوجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية في مواجهة الفتن. الله -سبحانه وتعالى- بيَّن لنا في القرآن أن الفتن في الدنيا هي جزء من اختبارنا، وقد قال عز وجل: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].

 

ما نحن فيه من فتنة ليس هو الأول في تاريخ الأمة، فقد مرَّت أمة محمد ﷺ بأوقات أشد فتنًا. والثبات على الدين ليس بالأمر السهل؛ لكن الله عز وجل يثبِّت من يشاء من عباده. قال سبحانه وتعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الْظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].

 

كيف أحافظ على إيماني في هذا الزمان الصعب؟

 

إحدى النقاط المهمة التي يجب أن نتنبه لها جميعًا، هي أن الإيمان لا يبقى ثابتًا إلا إذا كنا نعمل على تقويته وحمايته من المفسدات. فإننا إذا تركنا قلوبنا عرضة للفتن والمغريات دون أن نحصِّنها، فإنها –يقينًا- ستضعف.

 

لذا أقترح عليك بعض المعينات والوسائل العملية للحفاظ على الإيمان في هذا الزمان:

 

1- الصلاة على وقتها:

 

إن الصلاة هي عمود الدين وأساس التقوى. وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. فعندما نكون حريصين على أداء الصلوات في أوقاتها، فإنَّ ذلك يُحصِّن قلوبنا من الشهوات والفتن، ويجعلنا في اتصال دائم مع الله سبحانه وتعالى. فالصلاة تجعلنا متواصلين مع الله في كل وقت.

 

2- الاستغفار والذكر:

 

إن الذِّكر هو سلاح المؤمن في مواجهة كل شيء، وبه تطمئن القلوب، قال تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. وقال النبي ﷺ: «مَن قالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» [رواه مسلم]. فالذِّكر بجميع أنواعه وصيغه، يطهِّر القلوب ويطمئنها ويطرد الوساوس، ويغفر الذنوب.

 

3- تعلُّم العلم الشرعي:

 

في زمن الفتن، يجب أن نحرص على العلم الشرعي الذي يعيننا ويرشدنا للفعل الصواب فيما يواجهنا من مواقف وأحداث، ويقوِّي إيماننا. كما أن العلم يُضيء الطريق ويمنعنا من الانزلاق وراء الأهواء والشبهات.

 

4- الدعاء:

 

يجب أن نرفع أيدينا بالدعاء، ونطلب من الله أن يثبتنا على دينه وأن يُقوّي إيماننا. قال النبي ﷺ: «مَن لَزِمَ الاستغفارَ، جَعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرَجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ورزقَهُ من حيثُ لا يحتسبُ» [رواه أحمد].

 

كيف أحمي عائلتي من هذه الفتن؟

 

لا شك أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، وأنت الآن مسؤول عن حماية دين وأخلاق زوجتك وبناتك. لذلك، من المهم أن تضمن لهم بيئة إيمانية تساعدهم على مواجهة هذه التحديات. وذلك عن طريق:

 

1- الرعاية والقدوة:

 

يجب أن تكون قدوة صالحة لأسرتك في كل تصرفاتك، فلا تحرص على الصلاة في وقتها فحسب؛ بل علِّم أفراد أسرتك كيفية الصلاة والذِّكر والتواصل مع الله.

 

2- التوجيه السليم:

 

يجب أن تكون دائمًا حاضرًا مع بناتك وزوجتك، تُوجّههم بلطف وبأسلوب يربطهم بالله، ويزرع فيهم محبته جل وعلا، والاجتهاد في عبادته.

 

3- تصبير النفس بالصحبة الصالحة:

 

حاول أن تكون محاطًا بحلقة من الأصدقاء الصالحين الذين يساعدونك في هذا المشوار، في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحلال بالحرام، يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].

 

وفي الختام، أخي الكريم، تذكَّر أن هذه الدنيا دار اختبار، وأن الله لا يترك عباده الذين يسعون في مرضاته. اجعل الله ركنك الثابت، ولتكن صامدًا في وجه الفتن، واثقًا بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يثبتك على دينه، وأن يحفظك من كل فتنة، وأن يرزقك الثبات على الحق، وأن يوفقك في تربية بناتك على طاعته، وأن يظل قلبك عامرًا بالإيمان حتى تلقاه، ويجعلك من أهل الجنة.