تحت غطاء الحلال.. عشت وهمًا!!

<p>دكتورة.. أنا طالبة جامعية في سنتي الأخيرة، من أسرة محافظة، نشأتُ على مبادئ الدين والخُلُق، ولم تكن لدي أي تجارب عاطفية سابقة. منذ ما يقرب من أربعة أشهر، بدأت علاقة بريئة في ظاهرها مع زميلٍ في الجامعة، بدا مختلفًا عن غيره، يظهر الاحترام ويستخدم ألفاظًا دينية مطمئنة كـ &quot;نية الزواج&quot; و&quot;الارتباط على سنة الله ورسوله&quot;، وكنت أرفض أي تواصل إلا تحت هذا الإطار<span dir="LTR">.</span></p> <p>أقنعني أنه ينتظر فقط أن تتحسن ظروفه ليخطبني رسميًّا، وكان يستشيرني في تفاصيل دراسته، وأحيانًا في مشاكله مع أسرته، وشعرت أنه يضعني ضمن مستقبله. وبعد إلحاحه، أخبرتُ والدتي بأمره، واستبشرت خيرًا أن الأمر يتم بالحلال<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن مع مرور الوقت، لاحظت تغيُّره التدريجي، فأصبح يتعلل بالانشغال، ويؤجل أي خطوة رسمية، فصارحتُه وقلت له بوضوح: &quot;إما أن تأتي البيت من بابه، أو نقطع العلاقة تمامًا حتى لا يغضب الله علينا&quot;.</p> <p>فطلب مهلة يومين للتفكير، ثم اختفى، وبعدها عاد برسالة عابرة يسأل عن أحوالي، متجاهلًا تمامًا موضوع الخطبة.</p> <p>تجاهلت رسالته فلم أتجاوب، ثم استمر في التواصل البسيط كل فترة، وكأنه يطمئن أنني &quot;متوفرة&quot; عاطفيًّا<span dir="LTR">.</span></p> <p>وبعد أيام، فاجأني برسالة يقول فيها: &quot;سامحيني، لقد خَطبتُ&quot;.</p> <p>لا أعلم كيف يحدث هذا<span dir="LTR">!</span> كان قبلها بيومين فقط يراسلني وكأننا على نفس العهد.</p> <p>هل كان يخدعني طوال الوقت؟ هل كنتُ مجرد محطة عاطفية مؤقتة؟</p> <p>أشعر أنني انكسرت من الداخل، وخُدعت باسم الدين<span dir="LTR">.</span> لستُ قادرة على مسامحته، ولا أعلم كيف أداوي ما تركه في قلبي من ألم وخذلان؟</p>

ابنتي الحبيبة،

 

أشكر لكِ ثقتك وصدقك في عرض مشكلتكِ، والتي وإن بدت مؤلمة فإنها تحمل وعيًا ناضجًا في لحظة القرار، وحرصًا على ألا يطول الانزلاق في علاقة غير واضحة المعالم.

 

ما مررتِ به ليس قصة حبٍّ وانتهت، بل هي تجربة وجدانية مؤثرة، لكنها -بإذن الله تعالى- ستكون جسر عبور إلى نُضجٍ أعمق، وبصيرةٍ أشمل، وثقةٍ أثبت.

 

أولاً: ما تعرضتِ له يُعرف بمصطلح (Emotional Manipulation) "التلاعب العاطفي":

 

وهو نوع من الاستغلال الذي يُمارَس بأسلوب ناعم ملبّس بالنية الحسنة، لكنه يفتقر للصدق والشفافية. ويكون هدفه غالبًا هو الإشباع العاطفي المؤقت أو الشعور بالسيطرة دون نية حقيقية للالتزام.

 

كما تُصنّف حالتك ضمن ما يسمى بـ(Ambiguous Loss) أو "الفقد غير الواضح"، حيث لم تنتهِ العلاقة بنهاية واضحة كالفراق الصريح أو الخطأ البيّن، بل بحالة من الخداع والتلاعب، مما يُربك عملية التعافي العاطفي، ويُطيل أمد الصدمة النفسية.

 

وقد تمرين أيضًا بمراحل من Post-Traumatic Growth)) "النمو ما بعد الصدمة"، وهي عملية صحية قد تنشأ لاحقًا، وفيها تتحول التجربة إلى قوة دافعة نحو الوعي والتمييز والتطور الشخصي.. وهذا ما أتمنى أن تمري به.

 

ثانيًا: من المهم جدًّا أن ننظر للأمر برمته من الزاوية الشرعية والسلوكية:

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"؛ فالشخص الذي يوهم امرأة أو فتاة بالزواج وهو لا ينوي الوفاء، أو يتردد ويتلاعب بنيتها الطاهرة، آثمٌ شرعًا، ومخالف لأدب الإسلام في التعامل مع مشاعر الآخرين. وليس من الرجولة في شيء أن يتخذ الإنسان قلبًا مخلصًا ملعبًا للتجربة، ثم يتركه عند أول منعطف.

 

ثالثًا: وكنوع من التدريب النفسي على التعافي مما أنت فيه إليك بالآتي:

 

- لا تَلومي نفسك على الثقة التي منحتِها؛ فالنية الطيبة ليست سذاجة، بل طهارة سريرة. والخداع هو خطيئة المخادِع، لا المغدور .

 

- أجيزي لنفسكِ الحزن، فالحزن مشروع، لكن لا تجعليه مقامًا دائمًا، بل محطة عابرة لتفريغ المشاعر، ثم تحريك البوصلة نحو إعادة البناء.

 

- مارسي الكتابة العلاجية(Therapeutic Writing) ، اكتبي له رسالة لا تنوين إرسالها، تفريغًا لما في قلبك.

 

- افعلي شيئًا يرمز للقطع الواعي للعلاقة، مثل حذف الرسائل أو الأرقام، فهذا يُحفّز الجهاز النفسي الداخلي على التئام الذاكرة العاطفية.

 

- ثم انتبهي الآن إلى دروسك وركزي في تحدٍ آخر ألا وهو تخرجك في جامعتك بأعلى تقدير، والذي سوف يغير مسار حياتك فيما بعد لأفضل مما كنت تتمنين إن شاء الله تعالى.

 

* ابنتي الحبيبة.. نحمد الله أنها كانت تجربة قصيرة المدى ولم تتعمقي فيها نفسيًّا ولم تصبح خسارتك فيها فادحة، ومن الجيد أن تستثمريها في تطوير ذاتك.

 

فهذه التجربة -رغم مرارتها- تحمل قيمة بالغة، لقد كشفت لكِ هشاشة بعض الأقنعة، وعلمتكِ أن العاطفة لا تكتمل إلا بالعقل، وأن الارتباط لا يُبنى على وعود شفوية، بل على أفعال تَصدُق النوايا.

 

كوني على يقين بأن الله سيعوضك خيرًا وأنه -عز وجل- يُخبئ لكِ من الخير ما يدهشك، فقد قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.

 

وإن شاء الله تعالى، سوف يأتي من يطرق الباب من أوله، يحمل النية الطيبة ويُقدّم الفعل قبل القول، وتكونين له زوجة لا محطة.

 

* همسة أخيرة لقلبك غاليتي:

 

تذكّري دومًا ما قاله ابن القيم رحمه الله: "ما أغلق الله على عبدٍ بابًا بحكمته، إلا فتح له بابين برحمته".

 

قلبكِ ثمين يا ابنتي، فلا تجعليه ساحة تجارب، بل تاجًا لا يُمنَح إلا لمن يستحقّه بالعقل والدين والمسؤولية.