الضوابط الشرعية لمشاهدة الأفلام

<p style="direction: rtl;">بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ الفاضل، أسأل الله أن يبارك في علمكم ويسدد خطاكم. أرغب في استشارتكم في مسألة تهمني كثيرًا وتخص تربية أولادي على العقيدة السليمة. حيث إني أحرص على تعليمهم القيم الدينية والأخلاقية، وأتابع معهم كل أسبوع أفلامًا هادفة تهدف إلى تنمية الفكر وزيادة الوعي. ولكن في الآونة الأخيرة، شاهدنا فيلمًا خياليًا بعنوان &quot;In Time&quot; (في الوقت المناسب)، وهو فيلم يطرح فكرة غريبة ومخيفة في آن واحد.</p> <p style="direction: rtl;">في هذا الفيلم، لا يُستخدم المال كوسيلة للتعاملات اليومية كما في حياتنا العادية، بل يتم استبداله بالوقت. كل شخص في هذا العالم يحمل ساعة على ذراعه، وتُظهر هذه الساعة الوقت المتبقي من عمره. مع مرور الوقت، يتناقص العمر ويصبح مثل العملة التي تُستخدم لشراء الأشياء الأساسية مثل الطعام والمواصلات. وعندما ينفد الوقت من الشخص، يموت مباشرة.</p> <p style="direction: rtl;">الفيلم يتناول أيضًا فكرة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، حيث أن هناك من يمتلك سنوات عديدة من عمره، بينما هناك آخرون يعيشون كل يوم بيومه ويواجهون خطر الموت المبكر إذا نفد وقتهم. من بين المشاهد المؤثرة في الفيلم، هناك مشهد يظهر فيه البطل وهو يحاول إنقاذ والدته بعد أن نفد من وقتها القليل، ويقرر أن يمنحها جزءًا من عمره ليمنحها مزيدًا من الحياة، لكن في النهاية تموت بعد أن استنفدت آخر ثانية من وقتها.</p> <p style="direction: rtl;">رغم الرسائل الإيجابية التي يحملها الفيلم عن أهمية الوقت وكيفية استغلاله، إلا أنه يحتوي على أفكار خيالية تتعلق بالأقدار والأعمار، وهي مسائل غيبية من اختصاص الله تعالى. الفيلم يعرض فكرة أن الإنسان يمكنه نقل سنوات من عمره للآخرين، مما قد يوحي بأن الأعمار تحت سيطرة البشر.</p> <p style="direction: rtl;">وهذا يثير تساؤلات حول تأثير هذه الأفكار على العقيدة، خاصة لدى الأطفال. لذلك، أود أن أستشيركم حول بعض النقاط الشرعية المتعلقة بمشاهدة هذه النوعية من الأفلام مع أولادي، خاصة في ما يتعلق بالعقيدة وتأثير هذه الأفكار على فهمهم للقدَر والإيمان بالله.</p> <p style="direction: rtl;">الأسئلة الشرعية:</p> <p style="direction: rtl;">السؤال الأول: حكم مشاهدة الأفلام الخيالية التي تتناول موضوعات تتعلق بالقدر والأعمار في فيلم &quot;In Time&quot;، يتم تصوير فكرة خيالية حيث يصبح العمر البشري عملة يتم تداولها، ومن ينفد عمره يموت فورًا. هل يجوز شرعًا مشاهدة مثل هذه الأفلام التي تتعامل مع القدر والأعمار - وهي من الأمور الغيبية التي يختص بها الله تعالى - بطريقة خيالية؟ وهل يعتبر هذا من التعامل مع الغيب بما يخالف قوله تعالى: &quot;قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ&quot; (النمل: 65)؟</p> <p style="direction: rtl;">السؤال الثاني: تأثير هذه الأفلام على العقيدة خاصة لدى الأطفال الفيلم يعرض فكرة أن الإنسان يمكنه نقل سنوات من عمره لآخرين، مما قد يوحي بأن الأعمار تحت سيطرة البشر. كيف يمكن أن يؤثر هذا على عقيدة الطفل في القدر والإيمان بأن الأجل بيد الله وحده؟ هل ينصح بمنع الأطفال من مشاهدة مثل هذه الأفلام التي قد تشوش مفاهيمهم العقائدية؟</p> <p style="direction: rtl;">السؤال الثالث: التوازن بين الفائدة التربوية والمخالفات العقائدية الفيلم يحمل رسائل إيجابية عن قيمة الوقت، لكن بطريقة خيالية تتضمن التحكم في الأعمار. هل يجوز الاستفادة من الجانب التربوي مع تجاهل الجانب المخالف للعقيدة؟ أم أن المخالفات العقائدية تطغى على أي فوائد تربوية محتملة؟</p> <p style="direction: rtl;">السؤال الرابع: الضوابط الشرعية لمشاهدة الأفلام الخيالية ما هي الضوابط التي يجب أن نلتزم بها عند مشاهدة أفلام تحتوي على تصورات خيالية تتعلق بأمور غيبية كالأعمار والأقدار؟ هل يكفي أن ننبه أبناءنا أن هذه مجرد خيالات لا تمت للواقع بصلة؟</p> <p style="direction: rtl;">السؤال الخامس: التوجيه الشرعي للتعامل مع مثل هذه الأفلام هل يفضل شرعاً تجنب مشاهدة كل الأفلام التي تحتوي على مخالفات عقائدية ولو كانت خيالية؟ أم أن هناك طريقة للاستفادة من الجوانب الإيجابية مع تصحيح المفاهيم الخاطئة؟</p> <p style="direction: rtl;">السؤال السادس: مسؤولية الوالدين في الحفاظ على عقيدة الأبناء ما هي أفضل طريقة لشرح الفرق بين الخيال والعقيدة لأطفالنا عند مشاهدتهم لمثل هذه الأفلام؟ وهل يعتبر عرض هذه الأفلام على الأطفال من التقصير في التربية الدينية؟ أرغب في توجيهكم ونصيحتكم في هذه المسألة، خاصة فيما يتعلق بتربية أولادي على العقيدة الصحيحة، مع وجود مثل هذه الأفلام التي تجمع بين الفائدة التربوية والمخالفات العقائدية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.</p>

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد فيكم حرصكم على تربية أولادكم القيم والأخلاق والعقيدة السليمة وتحري ما يشاهدون وما لا يشاهدون من أفلام وغيرها؛ فأولادنا أمانة في أعناقنا وإن الله تعالى سائلنا عن ذلك.

 

واعلم رعاك الله أنه لا تجوز متابعة الأفلام المشتملة على العقائد الكفرية والأفكار المنحرفة المضادة للعقيدة الإسلامية -كتمجيد السحر، أو محاكاة الشرك، وتعظيم الأوثان، وغير ذلك-، ولو كانت المشاهدة لمجرد الاستماع والتسلية.

 

أما من يشاهدها ليحذر من خطرها وينبه السلطات على ضرورة منعها فلا بأس في ذلك فإنما الأعمال بالنيات. أما الصغار وغير المتعلمين فإنه يخشى عليهم الخوض في ذلك لعدم حصانتهم العقدية والعلمية.

 

وأما المشاهد الخيالية: فليست مانعة من جواز مشاهدة الأفلام -كالسفر عبر الزمن، أو القوى الخارقة-، ما دام ليس فيها خدش للعقيدة؛ بادعاء خصائص الربوبية، ونحو ذلك.

 

وأحسب أن رؤية الأفلام بنحو ما ذكرت في فيلم (في الوقت) لا بأس فيه إن كان خاضعًا لتوجيهكم وشرحكم، فإذا كان فيه ما يحتاج لتوضيح بينته.

 

ونحن الآن في عصر لا نستطيع فيه منع أولادنا عن مشاهدة ما يبث في الإعلام؛ فالحكمة أن نوجّههم باستمرار إلى ما يجوز وما لا يجوز ونتابعهم في ذلك، مع الحرص الشديد على أمرهم بأداء الفرائض والواجبات واجتناب المعاصي والمهلكات؛ فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

 

وهذا الموضوع المهم الذي طرحته يوجب على المنتجين المسلمين إيجاد البدائل الشرعية التي تحقق التسلية والفائدة معًا، لنغدو أمة منتجة تقدم ثقافتها وحضارتها وقيمها في إنتاج فني راقٍ يرقى بالنشء ويوسع مداركهم ويربطهم بحضارتهم ودينهم العظيم، وحتى ذلك الحين على أولياء الأمور أن لا يتساهلوا ولا يتشددوا تجاه أولادهم كي يظلوا على صراط الله المستقيم.

 

والله الموفق.