<p>منذ السنة الأولى للزواج امتنع زوجي عن الانفاق على احتياجاتي الخاصة مثل الملابس والخروج والطبيب إذا تعبت، وحين أنجبت طفلا واثنين امتنع أيضًا عن الإنفاق عليم إلا في الضرورات وفي أضيق حدود يتحملها إنسان، مثل الطبيب وذلك بعد المحايلات وإدخال الوسطاء ليقبل الذهاب بالطفل إلى الطبيب، وأما الملابس والحفاظات فهي رفاهية، ويجب العودة إلى الزمن الجميل باستخدام الكوافيل وما إلى ذلك من الوسائل القديمة في زمن الأمهات الجميل.</p> <p>ضاقت بي الحياة فخرجت من بيتي أبحث عن عمل، حتى وجدت عمل ابداعي يتلاءم مع ظروف أبنائي الصغار براتب معقول يكفي لاحتياجاتي أنا وأولادي فلم يبق عليه سوى مصاريف الطعام الذي يقتر فيه ويشح، حتى أنه تمر الأيام دون طبخ في البيت ونقضيها بأقل إمكانيات.</p> <p>وقبلت بالوضع ولم أعد أي طاقة للاعتراض أو النقد أو إبداء الغضب، ومع أول راتب وجدته يفتعل المشاكل، ومع أول ملابس اشتريتها لأبنائي يقول سوف تفسدين الأولاد بتدليلك وتعويدهم على تلك الرفاهية، مطالبًا إياي بالراتب كاملا لينفقه على البيت، على أن يقوم هو بادخار راتبه لمستقبلنا جميعا.</p> <p>لم أعد أحتمل تلك الحياة، وفي نفس الوقت أخاف على أولادي من تبعات الانفصال إن أنا طلبت الانفصال، لا أريد لهم أن يكبروا بعيدًا عن والدهم رغم بخله، لكنه حماية لهم ولي في زمن صعب، ولا أضمن بقاء عملي، وهم ذكور يحاجون لوالدهم في مراحل حياتهم، فماذا أفعل؟ دلوني بالله عليكم؟</p>
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، محمد رسول صلى الله عليه وسلم، القائل في حديثه الشريف: "كلكم راع ومسئول عن رعيته... والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم" (البخاري ومسلم)، والقائل كذلك: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته" (أخرجه مسلم).
أرحب بك ابنتي الفاضلة والعاقلة والحكيمة في تلك الصفحات المباركة، وأهلا بك في كل وقت، وأحييك على حكمتك وصبرك على ذلك الابتلاء العظيم الذي تخر له الجبال أنينًا وضعفًا.
وأعترف معك -يا ابنتي- أن معظم المشكلات التي تحدث بين الأزواج خاصة في البيوت الوليدة والزيجات الحديثة يكون لها حلول عملية مرتبة، كل حسب طبيعته وحسب حجمه وحسب استعداد الطرفين للتجاوب مع الحلول المطروحة والمتاحة، إلا داء الشح، فإنه داء أعيا كل من يحاول مداواته؛ فالشحيح قد فسدت نفسه، وضعف إيمانه، وساءت علاقته بربه، حيث لا يؤمن به رزاقًا كريمًا، فهو ممسك في كل وقت وعلى أية حال، خائفًا مترقبًا، حياته دائمًا هي حياة الفقراء رغم أنه يكدس المال ويخشى إنفاقه، فقلبي معك على تلك الإشكالية.
وأحييك كذلك على حكمتك في التفكير بقوة في عدم الانفصال رغم صعوبة المعيشة خوفا على ولديك من الحياة بعيدًا عن والدهم، وأنهم سوف يحتاجونه كذكور في مراحل حياتهم، والحقيقة أنهم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، فإنهم يحتاجون لوالدهم؛ فالحياة الطبيعية بين أبوين أسوياء هي التي يجب أن تكون محضنًا طبيعي للأولاد، يتلقون فيه أسس وقيم الحياة فيما بعد، يكون الأب فيها قدوة في جانب، والأم قدوة عملية في جانب آخر، وإن كان جانب الأمة أقوى، فهي الأكثر التصاقًا بالأولاد، والأكثر قربًا منهم، ومع ذلك فأنت تصرين على الحفاظ على البيت بكامل هيكلته من أجلهم.
ولذلك فلنسع في الحل بعد استبعاد الانفصال ولنتعوذ مما تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل"، وهو داء مذموم عند الناس وعند الله تبارك وتعالى، يعيش صاحبه محرومًا ويموت بغيضًا.
ولتعلمي حبيبتي أنه لا يوجد إنسان كامل على وجه الأرض، فكل إنسان مهما بلغت درجة مثاليته عنده عيب ما، ربما يكون البخل عيبًا كبيرًا لا يمكن التغافر معه، لكن كل زوجة تعاني من مشكلة ما في حياتها وتحسب أنها المشكلة الكبرى، وتنظر لغيرها على أنها أفضل منها.
فهناك من النساء –يا حبيبتي- من تعاني من زوج لا مبادئ له، ولا دين ولا خلق، فهو يحب أحاديث النساء ومتعدد العلاقات، وغيره متجاهل لشئون بيته، وغيرهما سيئ الخلق بذيء اللسان وهكذا، وكل واحدة منهن تتمنى لو كان زوجها بخيلاً ولا يحمل الصفة التي يحملها، فزوجك بالتأكيد يحمل بعض الصفات الطيبة إلى جانب إصابته بمرض البخل اللعين، فليكن عزاء لك أنها دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها أيام وسوف تمر، وصبرك عليه فيها هو في ميزان حسناتك إن صبرت صبرا جميلا.
وأما بالنسبة لاتخاذ إجراءات في سبيل تعديل سلوكه فهو أمر لازم لتخفيف ضغط الحياة عليك، مع احتساب الأجر عند الله تبارك وتعالى:
- تبدأ أولى تلك الإجراءات بفتح حديث مباشر وصريح معه، وأنا موقنة أنك فعلت ذلك مرات ومرات، لكن بأسلوب مختلف، فبالتأكيد كانت جلساتك معه في الحديث عن احتياجاتك الضرورية أنت والأولاد، لكن لتختلف لهجتك فيما هو آت، ذكريه بعلاقته بالله، وأنها علاقة طيبة، وأنه من الصالحين، ولا يجوز مع الصالحين أن يضيعوا من يعولونهم، ذكريه بوضعه الاجتماعي، وأنه لا يليق بمن هو في مكانته أن يكون مظهر أولاده غير لائق، ذكريه بحسن خلقه، وأن البخل سوف يضيع أجره عند الله، ذكريه بفضل الإنفاق، وأن أفضل دينار هو ما ينفقه عليكم، ذكريه بكل فضل يتميز به كي يخجل من نفسه.
ربما لا يستجيب من أول مرة، فهو يحتاج لمرات عديدة، وتذكير دائم بالحسنى والمحبة والمودة وإظهار الخوف عليه.
- في بعض الأحيان عليك بالتمنع، والتدلل عليه، ومنع بعض حقوقه الشرعية إذا زاد الأمر عن حده، وتوقف على إجبارك على إنفاق كامل رابتك، امنعي حقوقه قائلة له بأنه لا حقوق له إلا بالإنفاق، فمن امتنع عن النفقة، تسقط حوقه بموجب النص القرآني: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء34)؛ فالقوامة ليست منحة، وإنما مسئولية وفعل، إن تخلى عنها، سقطت تلك القوامة، تمنعي بدلال وليس بتسلط، ربما يخجل ويفكر ويعود.
- عليك بالدعاء، واللجوء لرب العالمين؛ فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شيء، وبالصبر الجميل وحسن اللجوء إليك فهو حتمًا يستجيب ويصلح قلبه ويشفيه من مرضه.
- لا تخضعي لابتزازه بإنفاق راتبك على البيت، وليكن مجرد مشاركة بما تسمح به نفسك، وما يسمح لك بتوفير احتياجاتك الخاصة واحتياجات أولادك دون أن يشعر أو يعلم بكافة إنفاقك، وتعلمي أن تدخري جزءًا من راتبك للأوقات الصعبة والأشياء المهمة التي يمكن أن تجدّ في حياتك.
أما بالنسبة للطعام والشراب ومستلزمات الحياة الأساسية فلا تنفقي فيها شيئًا، اتركيها له ولو اضطررت لعدم الطبخ تمامًا، قدمي له الموجود بالبيت ولو كان خبزا جافًّا لأنها مسئوليته أولا وأخيرًا، وأنه ليس لديك إلا ما يشتريه هو مهما كانت قيمته، وإذا استعصى الأمر على الحل، لك بما أفتى به الفقهاء من أخذ ما يكفيك أنت وبنيك بالمعروف دون علمه وفي حدود الكفاية لا أكثر.
- حاولي الاستعانة بالعقلاء من أهله دون أن يجرحوا كرامته، أو يفسدوا العلاقة بينكما، تخيري من يريد الإصلاح، ويعي ما يفعل عسى الله أن يصلح على يده.
أسأل الله لك السداد والصبر وإصلاح زوجك وبيتك وتولى شأنك كله حبيبتي، ولله الأمر من قبل ومن بعد.