<p>اقترب موعد زفافي، وكل شيء يمضي بفضل الله على خير ما يرام… لكن في زيارة عائلية قريبة، تقدمت نحوي امرأة كبيرة في السن، جاوزت السبعين من عمرها، تحمل ملامح الطيبة والوقار، وقالت لي مبتسمة: "أنا جدّة زوجتك من أبيها، هل نسيتني؟" ارتبكت… قلبي امتلأ احتراماً، لكن يدي توقفت! هل يجوز لي أن أصافحها؟ أن أُقبّل رأسها؟ أن أُسلم عليها كما أُسلّم على عمتي أو خالتي؟ أم أن هناك حرج شرعي؟</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمسألة مصافحة المرأة محل خلاف بين الفقهاء، وإن كان جمهور الفقهاء على عدم جواز المصافحة مطلقًا، لكن بعض الفقهاء استثنى مثل حالتك من التحريم ما دامت المرأة في مثل هذه السن حيث تأمن الفتنة وتنتفي الشهوة، فيمكنك اعتمادًا على هذا الرأي أن تصافح جدة زوجتك، حيث إنها من المحرمات المؤبدة إن كنت عقدت على حفيدتها.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في فتوى مشابهة:
قبل الدخول في البحث والمناقشة أود أن أخرج صورتين من مجال النزاع أعتقد أن حكمهما لا خلاف عليه بين متقدمي الفقهاء فيما أعلم:
الأولي: تحريم المصافحة للمرأة إذا اقترنت بها الشهوة والتلذذ الجنسي من أحد الطرفين: الرجل أو المرأة، أو خيفت فتنة من وراء ذلك في غالب الظن، وذلك أن سد الذريعة إلى الفساد واجب، ولا سيما إذا لاحت علاماته، وتهيأت أسبابه.
ومما يؤكد هذا ما ذكره العلماء أن لمس الرجـل لإحـدى محـارمه، أو خلوته بها وهي من قسم المباح في الأصل تنتقل إلى دائرة الحرمة إذا تحركت الشهوة، أو خيفت الفتنة (انظر: الاختيار لتعليل المختار في فقه الحنفية 4/155)، وخاصة مع مثل بنت الزوجة أو الحماة أو امرأة الأب، أو أخت الرضاع، اللائي ليس لهن في النفوس ما للأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو نحوها.
الثانيـة: الترخيص في مصافحـة المرأة العجوز التي لا تشـتهى، ومثلها البنت الصغيرة التي لا تشتهى؛ للأمـن مـن أسـباب الفتنة، وكذلك إذا كـان المصافـح شـيخًا كبيرًا لا يشتَهي.
وذلك لما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز، وعبد الله بن الزبير استأجر عجوزًا تمرضه، فكانت تغمزه وتفلي رأسه. (المرجع السابق ص 156، 155).
ويدل لهذا ما ذكره القرآن في شأن القواعد من النساء، حيث رخص لهن في التخفف من بعض أنواع الملابس ما لم يرخص لغيرهن: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 60].
ومثل ذلك استثناء غير أولي الإربة من الرجال، أي الذين لا أرب لهم في النساء، والأطفال الذين لم يظهر فيهم الشعور الجنسي لصغر سنهم من نهي المؤمنات عن إبداء الزينة: ﴿... أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
والله تعالى أعلى وأعلم