<p>هل يجوز لامرأة أن توكل الذكاء الاصطناعي بقراءة عقد زواجها وتحليله لها بدل الولي؟</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فللشريعة الإسلامية حكمة بالغة في اشتراط الولي في عقد النكاح، من أهمها: أن يضاف عقل مع عقل المرأة في اختيار شريك الحياة، فاشتراط الولي في النكاح ليس تعنتًا، ولا حِجرًا على عقل المرأة، لكن حفاظًا عليها، فالمرأة عاطفية بطبعها، وقد يخدعها الكلام المعسول فتسلم نفسها لمن لا يستحقها، ويحافظ عليها ويحميها.
فكيف يقوم ما يسمى بالذكاء الصناعي بهذا الدور دور الولي المشفق عليها الحريص على مصلحتها، إن الآلة مهما تطورت لن تقوم بدور الإنسان خاصة في العلاقات الاجتماعية، التي لا بد أن يكون هناك تقارب فكري واجتماعي وعلمي وثقافي بين الرجل والمرأة، ولا مانع من الاستفادة من هذه الأدوات لكنها لا يمكن أن تحل محل الولي في عقد النكاح.
واشتراط الولي هو رأي جمهور الفقهاء، خلافًا للحنفية الذين أجازوا النكاح بغير ولي ولكن هذا النكاح مشرط بالزواج من الأكفاء، وأعطوا الحق للولي في الاعتراض على عقد النكاح وفسخه أمام القضاء إن توجت المرأة بغير كفؤ لها.
والذين اشترطوا الولي في النكاح أجازوا للمرأة رفع أمرها للقاضي إذا تعنت الولي في تزويجها، وتعسف في استعمال الحق؛ فالأمر كله من أجل مصلحة المرأة ورعاية حقوقها، وليس للتضيق عليها.
وهذه الأدوات وإن كان فيه بعض النفع غير أنها تتسبب أحيانًا في القطيعة الاجتماعية، فلا تلجأ المرأة ولا الرجل إلى دفء الأسرة ورعاية المجتمع، وتعتمد على آله صماء إن أحسنت مرة فتسيء مرات!
يقول فضيلة الشيخ القرضاوي - رحمه الله - في فتوى مشابهة:
والإسلام اشترط في صحة الزواج رضا الولي، كما هو رأي الأئمة الثلاثة؛ موافقة الأب، أو الولي الذي بعد الأب، قد يكون الأخ الأكبر أو العم أو الجد، وأيضا نبّه الإسلام إلى أن الأم تستشار في زواج ابنتها، حتى تقول رأيها، ربما يحتاج الأب إلى هذا الرأي، لأن الأم أدرى ببنتها من أبيها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمِرُوا النساءَ في بناتهن".
كل هذا لتقوم الحياة الزوجية على أساس متين، ولا تتعرض للهزات والانهيار بسرعة، كما يحدث -للأسف- حين يتم الزواج دون دراسة، فتكون النتيجة الخلاف والشقاق، وربما الطلاق، والإسلام يتشوف إلى استقرار الحياة الزوجية، وأن يكون السكن والمودة بين الزوجين، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21).
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
ممّا دَرَج عليه الناس من قَديم الزّمان أن تكون هناك كَفاءَة بين الزّوجين، ومِن هنا وُجد الاختيار في قَبول أحد الطرفين للآخر عند الخِطبة، والمِقياس الأول للكَفاءة هو الدِّين الذي يليه في المرتبة الأخلاقُ، وما بعدها يُترك للعوامِل التي تختلِف زمانًا ومكانًا.
والذي يزن ذلك هو العاقل الحكيمُ الذي يزِن الأمور بميزان العقل البعيد عن حِدّة العواطف، وذلك أحرى بالرِّجال إلى حدٍّ كبير، دون إغفال للناحية العاطفيّة عند المرأة، فلا بدَّ من إشراكِها في الاختيار أيضًا، وبهذا الاشتراك يوجَد نَوع من التوازُن في تقدير كفاءَة الزّوج....
يرى جمهور الفقهاء “مالك والشافعي وأحمد” أن المرأة لا تباشِر العقدَ بنفسها سواء أكانت بِكرًا أو ثَيِّبًا، لأن العقد هو نهاية المَطاف من التشاوُر، ووليُّ الأمر أرجح رأيًّا كما تقدّم وجاء في ذلك حديث رواه أصحاب السُّنن: "لا تزوِّج المرأةُ نفسَها، فإن الزّانية هي التي تزوِّج نفسَها"، وحديث آخر من روايتهم: "أيُّما امرأةِ أنكحتْ نفسَها بغير إذن وليِها فنكاحُها باطِل" ثلاثَ مرّات. كما ورد حديث: "لا نِكاح إلا بوَلِيٍّ وشاهدَيْ عَدْل" رواه ابن حبان. يقول النووي في شرح صحيح مسلم، إن العلماء اختلفوا في اشتراط الوليِّ في صحّة النِّكاح، فقال مالك والشافعي: يُشترط ولا يصِحُّ نِكاحٌ إلا بولي وقال أبو حنيفة: لا يُشترط في الثَّيِّبِ ولا في البِكر البالغة، بل لها أن تُزوِّجَ نفسَها بغير إذنِ وَليِّها، وقال أبو ثَور: يجوز أن تزوِّج نفسَها بإذن وليِها ولا يجوز بغير إذنِه، وقال داود: يُشترَط الوَليُّ في تزويجِ البِكر دون الثَّيِّبِ. أهـ.
وقد رأينا بناتٍ يخرُجْن عن طاعة أوليائهن ويتزوَّجْنَ مَن يُرِدْنَ، وتَعرّضْنَ بذلك إلى أخطار جَسيمة. ونرى العودةَ إلى رأي الجمهور فهو أقوى وأحكمُ، والظروف الحاضرة ترجِّح ذلك، وقد رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ إيقاع الطّلاق ثلاثًا بلفظ واحد، لسوءِ استغلالِ الرِّجال لما كان عليه النَّبِيّ وأبو بكر من إيقاعِه مرّة واحدةً، وإذا وُجِدَت المَصلحة فثَمَّ شَرْعُ اللهِ.
والله تعالى أعلى وأعلم