عضل الولي.. اتقوا الله في النساء!

<p>امرأة فوق الأربعين من العمر، مطلقة منذ سنوات، وأولياؤها (أبوها وأمها) متوفيان، وأقرب أوليائها هو أخوها، إلا أنه يرفض تزويجها رفضًا قاطعًا، ولا يقبل أي تدخل في هذا الأمر، ويصرّ على ألا تتزوج مطلقًا، رغم محاولاتها المتكررة لإقناعه، دون جدوى. وفي ظل هذا الرفض التعسفي، قامت بتوكيل المأذون لعقد زواجها، وأبلغت أبناءها، ومنهم ابن بالغ راشد ويعمل، وقد أبدى موافقته وقت العقد، لكنه رفض الحضور. السؤال: هل يصح زواجها في هذه الحالة؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنقول لهذا الأخ اتق الله في أختك، ولا يجوز لك شرعًا أن ترفض مبدأ الزواج، وإن كان لك سبب معقول شرعًا أو عرفًا فعليك أن تصارح أختك به، لكن لا يحق لك أن تمنعها مما أحله الله لها، ثم تندم وتعاقبها إن فعلت الحرام خفية ودنست عرضك وعرضها بسبب هذا التعنت!

 

ونقول للأخت السائلة ما فعلته صواب وصحيح إن كان العقد قد تم بإيجاب وشهود وتوثيق وإشهار، وسواء رضي أخوك أو لم يرض، وسواء رضي أبناؤك أم لم يرضوا ما دمت تزوجت من كفء لك، فلا حق لهم في الاعتراض، هذا إن كان قانون البلد يجيز الزواج بغير ولي كما هو الحال في مصر وغيرها، وإن كان لا يجيز فيمكنك رفع الأمر إلى القاضي ليتولى هو العقد إن تأكد أن اعتراض الأخ أو الابن لا مبرر له شرعًا.

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله- إجابة عن سؤال مشابه:

 

لا حق لهؤلاء الأولاد والبنات في منع أمهم من الزواج، هذا تعسُّف وتحكُّم لا مبرر له شرعًا، ومن حق المرأة أن تتزوج، وللأسف فكثير من الناس يعتبرون زواج المرأة الأرملة أمرًا منكرًا، وهو شيء مباح لا حرمة فيه، ولا عيب فيه، وكانت المرأة من نساء الصحابة والسلف الصالح تتزوج بمجرد انقضاء عدتها من زوجها المتوفَّى؛ ففي حديث سُبَيْعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو في بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرًا، فتُوُفِّي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب (أي: لم تلبث) أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعَلَّت من نفاسها، تجمَّلت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك- رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجمِّلَة؟ لعلك ترجين النكاح! إنك، والله، ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيتُ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حَلَلْتُ حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي.

 

قضت المرأة عدتها بولادتها، فالله تعالى قال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (الطلاق:4)، ومن حقها أن تتزوج، فلم يكن هناك حرج.

 

أسماء بنت عميس رضي الله عنها حينما استشهد زوجها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، تزوجت بعد أن انتهت عدتها منه أبا بكر الصديق، ولما مات أبو بكر وانتهت عدتها منه خطبها وتزوجها علي بن أبي طالب، ولم تجد حرجًا، ولم يجد أحد من المسلمين حرجًا في ذلك. الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة:87).

 

فلا أدري من أين جاءت هذه القضية، أن المرأة الأرملة تترمل على أولادها ولا تتزوج!! لو افترضنا أن زواجها سيضر بأولادها، ورضيت أن لا تتزوج وتتأيم عليهم، فجزاها الله خيرًا!

 

أما هذه المرأة السائلة، فترملت وتأيمت، وكبر أولادها وتزوجوا، فأصبح من حقها أن تتزوج، لماذا هذا التحكم من الأبناء والبنات في الأم ومنعها من الزواج؟!

 

يقول الله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة:232)، {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (النساء:19)، فهذا عضل ومنع للمرأة من حقها، ففي هذه الحالة يستطيع القاضي أن يزوِّجها، وأرى أن هذا أولى من أن تذهب إلى أي بلد وتتزوج سرًّا، فذلك قد يثير حولها كلامًا لا داعي له.

 

وأقول: زواجك أيتها الأخت السائلة، التي تحمَّلت ما تحملت بعد موت زوجك من أجل تربية أبنائك، زواجك من حقك، ولا يجوز لأبنائك وبناتك أن يمنعوك من هذا الحق الفطري، الذي شرعه الله ورسوله، بأي كتاب أم بأي سنة يمنعها أولادها؟!

 

والله تعالى أعلى وأعلم