كيف أكون داعية إلى الله؟ من أين أبدأ؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب رزقني الله قدرة على التأثير والإقناع، وأمتلك أسلوبًا جميلًا في عرض المعلومات والأفكار، حتى إنني عندما أتحدث في موضوع ما، أجد أن المستمعين يتفاعلون معي ويقتنعون بكلامي. هذا جعلني أشعر بمسؤولية تجاه الدعوة إلى الله، خاصة أنني أرى الكثير من الناس يحتاجون إلى من يوجههم إلى الخير بأسلوب لطيف وبعيد عن التعقيد.</p> <p>لكنني في الحقيقة لست متخصصًا في العلوم الشرعية، ولم أدرس الدعوة بشكل منهجي، فكيف أبدأ؟ ما هي الأسس والأدوات التي أحتاج إليها كي أكون داعية ناجحًا؟ هل هناك كتب أو مدارس معينة تنصحون بها؟ وكيف أوازن بين الحماس للدعوة وبين التأكد من صحة ما أقوله للناس؟ أرشدوني جزاكم الله خيرًا.</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أحسنت أيها الأخ الكريم بسؤالك؛ فالرغبة في الدعوة إلى الله نعمة عظيمة، لكنها تحتاج إلى بصيرة وعلم حتى تؤتي ثمارها الطيبة، فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي} فالدعوة ليست مجرد حماسة، بل هي علم وفقه وأسلوب حكيم.

 

وإليك الجواب تفصيلاً، من أين تبدأ؟

 

1) ابدأ بإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك: فالدعوة ليست مجرد كلام، بل سلوك وأخلاق ومعاملة، فالناس يتأثرون بالفعل أكثر من القول، واحرص على تزكية نفسك، وتطبيق ما تدعو إليه حتى تكون دعوتك صادقة ومؤثرة.

 

2) تعلم الأساسيات الشرعية على أيدي المتخصصين في المؤسسات الدعوية الرسمية، ولا يشترط أن تكون عالمًا، لكن يجب أن تكون لديك معرفة صحيحة بأصول الدين، مثل العقيدة، والفقه الأساسي، والسيرة النبوية، وأدب الحوار، ويمكنك أن تقرأ في كتب العقيدة الميسرة من الأزهر الشريف، وفي الفقه كذلك، وتعلّم -فوق ذلك- تفسير بعض الآيات التي تتعلق بالدعوة، مثل آيات الدعوة في سورة النحل والفرقان.

 

3) اختر مجالك الدعوي المناسب، فليست كل الدعوة خطبًا ومحاضرات، فهناك من يدعو بالقلم، وهناك من يدعو بالتصميم، وهناك من يدعو عبر التفاعل الشخصي، وإذا كنت تجيد الحديث، فابدأ بإلقاء كلمات قصيرة في المجالس العائلية أو بين الأصدقاء، وإذا كنت تجيد الكتابة، فابدأ بكتابة منشورات توعوية في وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كنت تمتلك مهارات رقمية، فاستخدمها في إنتاج محتوى مرئي يخدم الدعوة.

 

4) اتبع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: {ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ}، والحكمة تعني أن تختار الأسلوب المناسب لكل شخص، فلا تتحدث مع الجميع بنفس الطريقة، وأما الموعظة الحسنة فإنها تعني أن تكون دعوتك لطيفة، خالية من العنف والغلظة، كما كان النبي ﷺ في دعوته.

 

5) تجنب الفتوى تمامًا، وأعد الأمور لأصحابها من المتخصصين، فلا تتجرأ على الفتيا، وإذا سُئلت عن أمر لا تعلمه، فكن صريحًا وقل: "لا أدري"، وأرشد السائل إلى العلماء الموثوقين، وإياك ثم إياك أن تنقل أي معلومات دينية دون التثبت من صحتها، وتأكد من مصادرها قبل نشرها.

 

6) الاستفادة من الدورات والمؤسسات الدعوية: فهناك دورات شرعية متاحة على الإنترنت -وتلك رحمة من رحمات الله-، مثل الدورات التي تقدمها الأكاديميات العلمية المتخصصة، ويمكنك الالتحاق بالرواق الأزهري في الجامع الأزهر أون لاين أو مباشر إن استطعت حسب بلدك والتي لم تُفصح لي عنها في السؤال، ويمكنك أن تتابع محاضرات كبار العلماء والدعاة، واستفد من تجاربهم.

 

وأخيرًا إليك عددًا من النصائح العملية اللازمة، وهي على النحو التالي:

 

* اجعل نيتك خالصة لله، ولا يكن همّك الشهرة أو الإعجاب.

 

* ابدأ بالأقربين؛ فالدعوة لا تحتاج إلى منصة ضخمة، بل يمكن أن تبدأ من أسرتك وأصدقائك.

 

* كن قدوة في أخلاقك؛ فالناس يتأثرون بالداعية الذي يعيش ما يقول.

 

* ولا تستعجل قطف الثمار؛ فالهداية بيد الله، ودورك هو التبليغ بالحكمة.

 

* ادعُ للناس بالهداية بدلًا من أن تحكم عليهم أو تنفرهم.

 

إن الدعوة -أيها الأخ الكريم- ليست وظيفة؛ بل رسالة وأمانة عظيمة، وهي مفتاح خير للعبد في الدنيا والآخرة. فإن كنت تملك القدرة على التأثير، فاستثمرها في نشر الخير، لكن مع التزام العلم الصحيح والنهج السليم. قال النبي ﷺ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً"، فابدأ بما تعلم، ومع الأيام سيزيد علمك وتتطور قدراتك الدعوية بإذن الله، وأسأل الله ربي أن يوفقك ويسدد خطاك وأن يستخدمك فيما يُرضيه.