<p>أنا طبيبة، أعيش بالخليج مع زوجي الذي اختاره لي والدي من بين عشرات الرجال، هو أيضا طبيب من عائلة كريمة، وكان كريمًا لأبعد حدود حين تقدم لي محملا بالهدايا والمفاجآت التي أبهرت أهلي، ولا أنكر أنها أبهرتني أنا أيضًا، بالسؤال عليه أشاد الجميع به وبأخلاقه ولطفه وحيائه وكرمه معهم وأنه رجل لا غبار عليه.</p> <p>في فترة الخطوبة القصيرة كان رومانسيًّا للغاية بالرغم من وجود بعض المخاوف لدي من قدرته على إقناعي الظاهري بكافة قراراته، هو في الحقيقة لم يكن يقنعني، بل كان يفرضها عليّ فرضًا بقوة منطقه وسلاسة أسلوبه، وتصميمه في نهاية الأمر على إنفاذ تلك القرارات بالحيلة، حتى قرار سفره للخارج دون أن يعد لنا شقة زوجية نتزوج فيها ثم نسافر أو ألحق به بعد تجهيزها، استطاع أن يقنعني بأن نؤجل تلك الخطوة ونسافر قبلها، على أن نختار الشقة التي تليق بنا بعد السفر، نجهزها كيفما نريد بعدما يتحسن الحال أكثر، وبما أحلم به.</p> <p>قبلت الوضع، وتم الزواج في غرفة بفندق ثم سافرنا، أحاطني بالرعاية والحب حتى نسيت معه أهلي، وتفانيت في خدمته بالرغم من عملي معه ومشاركته في المسئولية كاملة حتي وهنت مع الحمل الأول، ثم الحمل الثاني الذي لم يتأخر سوى بضعة أشهر بعد ولادة الطفل الأول.</p> <p>كنت أسهر الليل بالولدين لأفاجأ في الصباح بشخص آخر غير زوجي، وحش كاسر لا يعترف بتعبي ولا يقبل عذرًا، الوجه المبتسم تحول لوجه غاضب طول الوقت، تقلص المصروف مع معايرة بتوقفي عن العمل لظروفي الجديدة، لا أحاديث متبادلة، وإنما هو حديث آمر من طرف واحد، وعلي أنا أن أسمع وأطيع لا أكثر، غير مسموح بالشكوى، وإن تحدثت يتهكم علي، يتهكم علي شكلي، على طريقة حديثي، على ملابسي، مع أنها هي هي التي كانت يشيد بها يومًا.</p> <p>يخاصمني بالشهر دون إبداء أسباب حتى أدور حول نفسي لأعرف فقط ما يغضبه، يهجرني بالشهور، دون سبب، نظراته مريبة، تحمل اتهامات لست أدري كنهها، دائما أنا مقصرة في نظره.</p> <p>طلبت منه العودة إلى بلدي، فلم أجد جواز سفري وجوازات سفر الولدين، أخفاها تمامًا، شكوته لبعض أصدقائه ليتركني أرحل فكانت النتيجة ضرب مبرح لأول مرة في حياتي، ثم بعدها بكى كثيرًا واعتذر كثيرًا حين هددته بالشكوى وتصعيد الأمر للسلطات في هذا البلد.</p> <p>كان محور حياتي، ومحور الكون من حولي، ومع هذا، لم يرضيه الأمر، ولم يرضيه اهتمامي فوق الاعتيادي، وعجزت عن إرضائه رغم محاولاتي، لقد وصل بي الأمر للخوف الشديد منه بعدما كان أمان عمري.</p> <p>أريد الهروب لبلدي ولست أدري كيف، وحين عثرت على جوازات السفر قال لي لن تسطيعي إدخالهم أي مدرسة، ولن تجدي مكانا يؤويكي، وليس عندي لك إلا أن تبقي هنا معي، وإلا فلا شيء لك عندي حتى الأولاد؟</p> <p>حطمني نفسيًّا حتى فكرت في الانتحار، وما منعني سوى مصير أولادي بعدي، فكرت في الهروب، لكن الخوف عليهم منعني، طلبت منه الطلاق، فساومني على الأولاد، هو لا يرى سوى نفسه، لا يؤلمه سوى ألمه وتعبه وشقائه في العمل ومتطلبات الحياة بالرغم من دخله الممتاز.</p> <p>هو لا يجد متعة سوى رؤيتي خائفة منه، يضحك بهيستيرية حين يجدني خائفة منه، فإذا بدا بعض الغضب مني، أو استجمعت شجاعتي وواجهته، أجده يتراجع ويتودد حتى يتمكن مرة أخرى، دلوني ماذا أفعل وقد ضاقت بي السبل ببلاد الغربة ولا أدري سبيلا للخلاص؟</p>
بسم الله، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، القائل في حديثه الشريف: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (رواه الترمذي)؛ فالمرأة كالرجل في الاختيار، وكما يجب عليه البحث عن ذات الدين، فكذلك عليها أن يكون خيارها الأول صاحب الدين.
أولا: أرحب بك حبيبتي على صفحات المجتمع، مقدرين معاناتك الشديدة، وابتلاءك الكبير، أعانك الله، وأعاننا على إيجاد حل ناجع لمشكلتك.
ثانيا: بالتفاصيل التي ذكرتها فإن زوجك يعاني من مرض خطير، يصيب بعض النفوس الضعيفة فتنساق خلفه دون وعي ودون أدنى مقاومة منه فنجده مؤذيًا لمن حوله بشكل كبير، طالما شعر بضعفك تجاهه وخوفك منه، فهو يتغذى من ذلك الضعف وهذا الخوف لينمو المرض، وهو مرض النرجسية الذي يتطلب فهمًا عميقًا من المتعاملين معه، وإدراكًا لطبيعة الشخصية وطريقة التعامل معها بحرص حتى لا يصل الأمر لأذى لا يمكن تداركه أو منعه قد يصل للإيذاء الجسدي إلى جانب الإيذاء النفسي دون أن يدري أو حتى يريد.
هو يريدك تابعة له في كل وقت وحين، بلا حقوق، بلا متطلبات، بلا مغادرة، قد يكون متعلقًا بك أكثر من أي شيء في حياته؛ لأنه في حقيقة الأمر إنسان ضعيف يختفي خلف قسوته، ظنًا منه أنه يحافظ عليكم ويحافظ على حياته معكم.
النرجسي إنسان مغرور متكبر، لا يرى سوى نفسه، ولا يشعر إلا بها، لا يرى سوى احتياجاته، ولا يؤمن بصوت غير صوته، أول ما يفعل هو أن يسلب ثقتك في نفسك، وأنك دائما مقصرة في حقه، وأنه يتفضل عليك ببقائك في كنفه رغم تقصيرك، ورغم عدم فهمك، ورغم أنه أفضل منك بمرات عديدة، وأن مجرد وجودك معه يكفي لحياة سعيدة حتى لو تجاهلك.
والخطوة الأولى في الحل وحماية نفسك منه أن تستعيدي ثقتك بنفسك، وأن المشكلة ليست عندك أنت، وإنما عنده هو.
وأما الخطوة الثانية: فهي إظهار القوة الذكية أمامه، وإظهار عدم التأثر بقراراته الجارحة مثل خصامه لك ومقاطعته وإعراضه، إبداء القوة النفسية أمامه تعد فارقًا كبيرًا في التعامل معه، فهي سوف تنتزع منه ثقته الوهمية بنفسه وتكسر بعض غروره.
الخطوة الثالثة: تأجيل أي قرار بالانفصال الآن وأنت وحيدة في غربتك بعيدًا عن أهلك وذويك؛ فإحساسه بمحاولة فرارك منه سوف تدفعه للتمسك بك بعنف واتخاذ كافة الأسباب لإبقائك ولو بأساليب غير قانونية قد تؤدي لإيذائك أو أبنائك بعنف، عليك بالصبر حتى تعودي بشكل طبيعي في إجازة طبيعية وتكوني بين أهلك ووقتها يمكنك التفكير في صحبة العائلة والاستعانة بهم وأنت في أمان.
الخطوة الرابعة: إبداء الاعتراض الصارم على أية إهانة تتعرضين لها، وعدم إظهار اللين في تلك النقطة، واعلمي أنه أضعف مما تخيلين، وإنما قوته في ضعفك لا أكثر، شرط أن تكون تلك الصرامة بغير تصادم؛ فالصدام معه يولد المزيد من العناد والكبر.
الخطوة الخامسة والأهم هي: استخدام عاطفتك الأنثوية في التعامل معه، هو يحب خضوعك وأنوثتك وامتلاكه لك، ولن يحد من قوة غضبه غير المبرر مثل العاطفة الأنثوية الزوجية، وهي خطوة مهمة لكسب ثقته، واتقاء غضبه، وذلك لإعادة ترتيب أوراقك في ظل إسكات وحشيته، عليك أن تستثمري حبه للثناء والمدح لإثارة أخلاقه الطيبة التي يحب أن يظهر بها أمام الناس.
الخطوة السادسة والأخيرة: هو عودتك بأولادك لأهلك سالمة مع الوضع في الاعتبار كافة الخيارات المتاحة ومنها الانفصال إن لم يكن هناك آلية للحل (وهو ممكن الخضوع للعلاج النفسي أو الاستعانة بأخصائي نفسي) إذا أردت أن تكملي حياتك معه، لكن الآن هناك أولوية كبرى وهي الحفاظ على الأسرة بكافة أفرادها وأهمها الأطفال الصغار، والذين لا ذنب لهم في المسألة كلها إلا أنه أبوهم.
استعيني بالله واصبري؛ فالأمر يحتاج إلى الحكمة، ولا تتعجلي بطلب الطلاق الآن وأنت في غربتك حفاظًا على أبنائك، اصبري حتى تعودي وتقفي على أرض ثابتة وآمنة، وبين أهلك وذويك سوف يسهل الحل بإذن الله.
أسأل الله لك الصبر والسلوان والجبر والعوض الجميل، وأن يشفي قلب زوجك، ويصلح لك شأنك كله، إنه ولي ذلك وهو نعم الوكيل.