<p>أنا مسلم بسيط أحب التعلم ونشر الخير، وأحيانًا تصلني أحاديث يُقال إنها من السنة النبوية، فأقوم بنشرها بين الأصدقاء والمعارف ليستفيدوا منها. لكني فوجئت بأن بعض الأحاديث التي نشرتها كانت مكذوبة أو موضوعة! فكيف يمكنني التأكد من صحة أي حديث قبل نشره؟ وكيف أستفيد من السنة النبوية بطريقة صحيحة دون الوقوع في نشر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة؟</p>
أيها المسلم الحريص على الخير، احمد الله -(أولا)- أن رزقك هذا الوعي، فالسنة النبوية ثاني مصدر للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولا يجوز أن ننسب إلى النبي ﷺ ما لم يقله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، واعلم أنّ نشر الأحاديث المكذوبة لا يقل خطرًا عن اختلاقها، لأنك بذلك تعين على نشر الباطل دون قصد. لذلك، إليك منهجًا عمليًّا متكاملًا للتعامل مع الأحاديث التي تصل إليك:
أولًا: كيف تتأكد من صحة الحديث؟
عند وصول أي حديث إليك، لا تتعجل في نشره حتى تتحقق من خمسة أمور رئيسية:
1) البحث عن مصدر الحديث: هل الحديث موجود في كتب الحديث المعتبرة مثل صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن الترمذي، سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، ومسند الإمام أحمد؟ إن كان الحديث غير موجود في هذه المصادر، فابحث عنه في كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2) التحقق من تخريج الحديث عبر مصادر موثوقة، حيث يمكنك البحث عن صحة الحديث في مواقع موثوقة مثل: موقع الدرر السنية (www.dorar.net)، موقع الموسوعة الحديثية، تطبيقات الهاتف الخاصة بكتب الحديث المعتمدة، مثل (جامع الكتب التسعة).
3) التأكد من درجة الحديث: فبعد إيجاد الحديث، تأكد من درجته: (صحيح): يمكن العمل به ونشره، (حسن): مقبول ويمكن الاستشهاد به، (ضعيف): لا يُعمل به إلا في فضائل الأعمال بشروط محددة، موضوع (مكذوب): لا يجوز نشره أو نسبته إلى النبي ﷺ.
4) الابتعاد عن الأحاديث المنتشرة بلا إسناد: فكثير من الأحاديث التي تُرسل عبر وسائل التواصل لا يكون لها إسناد صحيح، مثل: "من قال لا إله إلا الله كذا وكذا كُتب له ألف حسنة…" (وهو حديث لا أصل له)، و"الدعاء الذي يهتز له عرش الرحمن…" (حديث مكذوب)، فلا تثق في الأحاديث التي تنشرها الرسائل الجماعية دون توثيق علمي.
5) استشارة أهل العلم والتخصص: إن لم تتمكن من التأكد بنفسك، فاسأل أهل العلم المتخصصين في الحديث، أو استعن بالعلماء الموثوقين.
ثانيًا: كيف تنشر الحديث بطريقة صحيحة؟
إذا تأكدت من صحة الحديث، فانشره بطريقة علمية دقيقة، وذلك من خلال:
1) ذكر المصدر مع الحديث: لا تنشر حديثًا دون ذكر مصدره، مثال: قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات" [رواه البخاري ومسلم]، وهذا يعطي مصداقية لما تنشره، ويدل على وعيك وحرصك.
2) توضيح درجة الحديث: إن كان الحديث صحيحًا، فاذكر أنه صحيح، وإن كان ضعيفًا، فوضّح درجته حتى لا يُظن أنه صحيح، ولا تنشر حديثًا موضوعًا أبدًا، بل حذّر منه.
3) تجنب نشر الأحاديث مع عبارات التهويل والتخويف غير الصحيحة: مثال على الأخطاء المنتشرة: "إذا لم تنشر هذا الحديث فأنت تخفي الخير عن الناس وستُسأل يوم القيامة!" ومثل هذه العبارات ليست من منهج أهل السنة، وهي تضر أكثر مما تنفع.
ثالثًا: كيف تستفيد من السنة النبوية في حياتك؟
السنة ليست مجرد أحاديث تحفظها أو تنشرها، بل هي منهج حياة، لذلك احرص على:
1) قراءة كتب الحديث الصحيحة والتفقه فيها، مثل: "رياض الصالحين" للإمام النووي، و"الأربعون النووية" مع شرحها.
2) تطبيق السنة عمليًّا في حياتك اليومية، وليس مجرد نقلها نظريًّا.
3) تعليم الآخرين المنهج الصحيح في التعامل مع الحديث، حتى لا يقعوا في خطأ نشر الأحاديث المكذوبة.
وختامًا:
أخي الكريم، إن التحقق من صحة الحديث قبل نشره واجب ديني وأمانة شرعية، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6] فلا تكن سببًا في نشر حديث مكذوب قد يضل الناس، بل كن منارة للحق والوعي، وانشر فقط ما صح عن النبي ﷺ، حتى تؤجر ولا تؤزر، وتكون من الذين قال فيهم النبي ﷺ "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ".