<p style="direction: rtl;">شيخنا الفاضل، تمر الأمة الإسلامية والمجتمعات العربية بمرحلة صعبة مليئة بالأزمات والاضطرابات، مما جعل اليأس يتسلَّل إلى بعض النفوس، فيضعف يقينها بالله، وتهتز ثقتها بمستقبلها.</p> <p style="direction: rtl;">في ظل هذه التحديات الجسيمة: كيف يمكننا كدعاة ومصلحين أن نبث الأمل في نفوس الجماهير؟ وكيف نصنع التفاؤل في قلوب المؤمنين؛ حتى يكونوا أكثر صبرًا وثباتًا؟ وما الوسائل العملية التي يمكن للأفراد والأسر والمجتمعات اتباعها لإعادة الثقة واليقين بالله، والاستبشار بمستقبل مشـرق رغم ما نراه من شدائد؟</p>
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم النبيين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمرحبا بك أخي السائل الكريم، وإن مما لا يخفى على شريف علمك وعلم قراء ومتابعي هذه البوابة الاستشارية، لا يخفى على أحد ما تمر به أمتنا الإسلامية من محن وابتلاءات، وما تعانيه المجتمعات العربية من تحديات كبرى، حتى صار اليأس داءً خطيرًا يتسلل إلى القلوب، فيضعفها، ويمنعها من العمل والبذل والإصلاح. لكنّ المؤمن يعلم أن الأمل في الله لا ينقطع، وأن الفرج يأتي بعد الشدة، كما قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْـرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]. ولذلك، فإن صناعة الأمل والتفاؤل في نفوس الجماهير مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الدعاة والمصلحين، وتحتاج إلى وسائل عملية مستمدة من القرآن والسنة والتاريخ، حتى نعيد للناس ثقتهم بالله، ونقوّي يقينهم بأن العاقبة للمؤمنين، مهما اشتدت الأزمات. وإليك بعض الوسائل المعينة على بث الأمل في النفوس رغم ملامح اليأس والتشاؤم، ومنها ما يأتي:
أولًا: الدعاء.. مفتاح الأمل وأساس الفرج
فالدعاء هو صلة العبد بربه، وهو السبيل الأعظم لطمأنينة القلب وزوال اليأس، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ولك أن تتابع دعاء الأنبياء في الشدائد، كأيوب عليه السلام عندما قال: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83، 84]، فجاءه الفرج. وهذا يونس عليه السلام حينما كان في بطن الحوت وقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88]، فاستجاب الله له.
ولقد تحدَّث نبينا ﷺ عن الدعاء بألطف العبارات، فقال: (الدعاء هو العبادة) وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: (إن الله حييٌّ كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين). ومن الوسائل التي تساعد في حسن توظيف الدعاء وزراعة الأمل:
1) تذكير الناس بأن الدعاء يغيّر الواقع، وليس مجرد كلمات تُقال.
2) توجيه الجماهير للدعاء بيقين، مع التفاؤل والإلحاح على الله.
3) إقامة حملات دعوية لتعزيز ثقافة الدعاء في المجتمعات.
ثانيًا: التربية الأسرية.. غرس الأمل في نفوس الأبناء
إنّ الأمل لا يُبنى في لحظة، وإنما هو نتاج تربية صحيحة منذ الصغر. فإذا تربى الأبناء على التفاؤل والثقة بالله، نشأوا أقوياء في مواجهة الأزمات. وتلك
وسائل عملية لغرس الأمل في الأبناء:
1) تعليمهم التفاؤل من القرآن والسنة: مثل قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وقول النبي ﷺ: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير).
2) سرد قصص الناجين من الأزمات: كقصة هجرة النبي ﷺ، وكيف نجاه الله رغم شدة المخاطر، وقصة الإمام أحمد بن حنبل وصبره في المحنة، حتى نصره الله.
3) تشجيع الأبناء على التفكير الإيجابي، من خلال استبدال العبارات السلبية مثل “لن يتحسن الوضع” بعبارات تحفيزية مثل “بعد العسـر يسـر”، وتعليمهم شكر الله على النعم، مما يعزّز التفاؤل.
ثالثًا: الصحبة الصالحة.. دعم نفسي وروحي للمؤمن
فالإنسان يتأثر بمن حوله، فإن كانت صحبته صالحة، بثت فيه الأمل، وإن كانت سلبية، زادت من إحباطه.
وانظر إلى قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، ومن الوسائل العملية التي تعمل على تعزيز الصحبة الصالحة:
1) تشجيع الناس على تكوين مجموعات دعم إيمانية لمواجهة الأزمات.
2) التوجيه لاختيار الصحبة التي تبث التفاؤل، وليس التشاؤم.
3) الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأمل بين الناس.
وختامًا، فإن الأزمات مهما اشتدت، لا تدوم، والمؤمن دائمًا في خير، إما بصبره على البلاء، أو بشكره على النعم. والأمل في الله هو النور الذي يقود القلوب وسط الظلام، فلنحرص على تقوية علاقتنا بالله بالدعاء، وتربية أبنائنا على التفاؤل، واختيار الصحبة الصالحة التي تعيننا على الثبات، حتى نكون من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.