<p>أنا بنت عايشة مع أهلي، وأختي الكبيرة عمرها 35 سنة ومتزوجة وعندها ثلاثة عيال. من فترة صارت مشاكل بينها وبين زوجها، واضطرت إنها تيي تعيش ويانا في البيت. أختي تشتغل، وأنا كنت دوم أحترمها وأعتبرها قدوتي، بس قبل فترة اكتشفت شي صدمني، وما عرفت كيف أتصرف<span dir="LTR">!</span></p> <p>عرفت إنها تروح لشقة واحد غريب، وقلبي يحترق من الخوف والضيقة! أحاتي أمي، لأني لو خبرتها يمكن تصير لها صدمة قوية وتأثر على صحتها، خصوصًا إنها متعلقة بأختي وايد. وأبوي متوفّي، وما عندي حد أقدر أرجع له فالموضوع. أفكر أخبر ريلها، بس أخاف إن السالفة تكبر وتصير مشاكل أكبر، خصوصاً إنها عندها عيال، وأنا بعد ما عندي دليل قوي غير إني شفتها بروحي<span dir="LTR">.</span></p> <p>أنا في حيرة شديدة، ومو قادرة أعيش حياتي طبيعي، دايماً أبكي وأشعر بألم داخلي، وما أعرف شلون أتصرف بطريقة صحيحة ترضي الله وتحفظ العائلة من الانهيار. شو أسوي؟</p>
ابنتي العزيزة،
أدرك تمامًا الحيرة والقلق اللذين يسيطران عليكِ الآن، وأتفهم مدى صعوبة الموقف الذي تعيشينه، خاصة أنه يتعلق بشخص قريب منكِ وتحبينه، وفي الوقت ذاته، تخشين أن يكون اتخاذ أي قرار خاطئ سببًا في هدم الأسرة أو إيذاء والدتكِ نفسيًّا. لذا، لا بد من التعامل مع الأمر بعقلانية وتروٍّ، بعيدًا عن الانفعال أو التسرع في اتخاذ القرارات؛ لأن التهور في مثل هذه القضايا قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
أولًا: لا بد من أن تتحلي بالهدوء والتعامل مع الأمر بعقلانية
فإن ما تمرين به الآن يُعرف في علم النفس بـ "الصدمة الأخلاقية" (Moral Shock)، وهي ردة فعل طبيعية عند اكتشاف سلوك غير متوقع من شخص نثق به.
لكن لا تجعلي العاطفة تسيطر على قراراتكِ، بل خذي وقتكِ في التفكير والتخطيط لكيفية التصرف بحكمة؛ فالرسول ﷺ قال: "التأني من الله والعجلة من الشيطان"، مما يعني أن التروي مطلوب في مثل هذه الأمور الحساسة.
ثانيًا: من الضرورى جدًّا التثبت قبل الحكم
فالإسلام ينهانا عن التسرع في إصدار الأحكام دون يقين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
إذًا فلا بد من التأكد أولًا من صحة ما رأيته، فقد يكون هناك تفسير آخر لما يحدث؛ فمثلا، هل لديكِ دليل قاطع على أنها تدخل هذه الشقة لغرض سيئ؟ هل يمكن أن يكون هناك سبب آخر يجعلها تذهب إلى هناك؟ فالتثبت هنا مطلوب حتى لا نظلم أحدًا.
ثالثًا: من الضرورى مواجهة أختكِ بحكمة ورفق
فإن كنتِ متأكدة من الأمر، فالأولى أن تتحدثي معها مباشرة قبل أن تخبري أي شخص آخر.
اختاري وقتًا مناسبًا للحوار معها، وكوني هادئة في حديثكِ، وأخبريها أنكِ رأيتِ أمرًا أقلقكِ وجعلكِ في حيرة من أمركِ، أو أن أحدًا شاهدها وأبلغك بأمرها..
عبّري عن خوفكِ عليها وحبكِ لها بدلًا من أن تتهميها مباشرة؛ لأن أسلوب المواجهة يؤثر بشكل كبير على استجابتها.
في علم النفس، هناك أسلوب يُعرف بـ "التواصل العاطفي الإيجابي" (Positive Emotional Communication)، وهو يساعد الشخص على تقبّل الحديث دون الدخول في موقف دفاعي.
ربما تكون أختكِ تمرّ بأزمة نفسية أو ضغوط لم تخبركِ بها؛ لذا فإن الحديث معها قد يفتح لكِ بابًا لفهم ما يجري في حياتها.
والنصيحة في الإسلام يجب أن تكون بأسلوب حسن، فلقد قال الله تعالي: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...)، وكذلك قال رسول الله ﷺ: "الدين النصيحة".
فحتى تتقبل أختك الكبيرة منك الكلام والنصيحة وتفصح إليك بمكنونها، فلا بد أن تتحدثي معها باللين والرحمة وبلا هجوم وغلظة..
ثم ذكريها بعقوبة هذه الكبيرة التي قد تكون تفعلها وهي (الزنا)، وأن حدّها في الشرع عظيم للمتزوجة، واستحلفيها بالحفاظ على نفسها وأبنائها وكذا حرمات الله تعالى.
وذكريها كذلك بضرورة الحفاظ على سمعتك كأخت أصغر لها، وسمعة أبنائها وأهلها جميعًا، وأنها متحملة لمسؤولية كبيرة أمام الله ثم أمام المجتمع.
رابعًا: إذا لم تستجب أختكِ لكلامكِ واستمرت في هذا السلوك
فعليك أن تبلغيها (كنوع من التهديد والحزم معها) أنك ستبخبرين زوجها وولي أمركم، كالعم أو الأخ الأكبر.. وهنا من الضرورى جدًّا أن تؤمني نفسك من غدرها، فربما خافت منك وارتبكت وحاولت إيذاءك أو التخلص منك –لا قدر الله- خوفًا من أن تقومي بفضحها، فأوهميها بأن هناك من يعلم غيرك من معارفكما بتفاصيل أمرها، ولكنه ترك لك مسؤولية التصرف.
فإن لم ترتدع بعد كل تلك المحاولات المشروعة، ففكّري وقتها في الشخص المناسب الذي يمكنه التأثير عليها.
هل هناك شخص تثقين به مثل عمتها، خالتها، أو شيخ حكيم يمكنه نصحها دون فضحها أو إثارة الفضيحة؟ المهم هو اختيار الشخص المناسب للتدخل إذا لزم الأمر لذلك.
* أما فيما يخص إخبار زوجها، فيجب التعامل مع هذا الأمر بحذر شديد؛ لأن هناك مبدأ في علم النفس الأسري يُعرف بـ "الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار العائلي" (Family Stability Principle)، والذي يعني أنه يجب محاولة إصلاح الأمر بأقل ضرر ممكن.
فإنك إن أخبرتِ زوجها دون محاولة إصلاح الوضع داخليًّا، فقد يؤدي ذلك إلى انفصالها عنه وتشتيت أطفالها، مما قد يدفعها إلى المزيد من التدهور والانزلاق في الرذيلة والعياذ بالله، بدلًا من إصلاحها. وهذا بالطبع أبسط تقدير إن لم يُقدم زوجها وقتها على إيذائها وربما إزهاق حياتها لا قدر الله.
خامسًا: أرجو ألا تغفلي أهم ما في الموضوع، ألا وهو اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والاستعانة به عز وجل؛ فالقلق الذي تعيشينه الآن دليل على قلبكِ الطيب وضميركِ الحي، ولكن لا تنسي أن الله هو القادر على إصلاح القلوب وردّ الإنسان إلى الصواب. قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. فاجعلي الدعاء سلاحكِ، واطلبي من الله أن يهدي أختكِ، وأن يُصلح حالها ويبعدها عن أي طريق سيئ.
* همسة أخيرة لقلبك يا ابنتي:
كوني قوية ولا تجعلي هذا الأمر يؤثر على نفسيتكِ بشكل يدمركِ، بل كوني قوية ومتماسكة، واعملي على اتخاذ الخطوات الصحيحة التي تساعد في حل المشكلة بأقل ضرر ممكن.
ثم اجعلي هدفكِ هو الإصلاح، وليس مجرد كشف الخطأ، واحتسبي الأجر عند الله، فهو وحده القادر على هداية القلوب.
أسأل الله أن يمنحكِ الحكمة والصبر، وأن يهدي أختكِ إلى طريق الصواب، ويحفظ أسرتكم من الفتن والمشكلات، وأن يعف الله ويستر بلطفه جميع المسلمين والمسلمات.