<p>ما حكم عمليات الدهس والقتل التي تحدث على أرض فلسطين المحتلة، ألا يعد ذلك من باب الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، أو الانتحار وخاصة أن معظم الذين يقومون بهذه العمليات يقتلون؟</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهناك فروق كبيرة بين الانتحار والمنتحر الذي يئس من الحياة ولم يتحمل الابتلاء، وبين من يقوم بالعمليات الاستشهادية إذ يقوم به دفاعًا عن الحياة، دفاعًا عن الدين والنفس والمال والمقدسات، الأول مرتكب كبيرة من أكبر الكبائر، والثاني يقوم بأهم واجب من واجبات وفرائض الإسلام وهي الجهاد، وهو ذروة سنام الإسلام.
يقول فضيلة الشيخ فيصل مولوي – رحمه الله-:
العمليات الاستشهادية ليست انتحارًا، وليست إلقاءً للنفس في التهلكة. والآية الكريمة التي أشارت إلى هذا الموضوع وهي قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة..} (سورة البقرة: 195)، وواضح من سياق الآية أن عدم الإنفاق في سبيل الله هو إلقاء للنفس في التهلكة. هذا هو سبب النزول. وإذا رجعنا إلى القاعدة الأصولية المعروفة أن "العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص السبب"، فإننا نوسع معنى الآية ونقول: إن كلّ تقصير في واجب شرعي يُعتبر إلقاءً للنفس في التهلكة، وربما قلنا أيضًا: إن كل وقوع في معصية شرعية يعتبر إلقاءً للنفس في التهلكة.
أما الانتحار، فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحريمه، كما صح عنه تهديد المنتحر بأن يكون من أهل النار. لكن جميع الروايات حول هذا الموضوع كانت تتناول المسلم الذي يقتل نفسه دون أي سبب مشروع، أو يقتل نفسه تخلصًا من الألم، أو تهربًا من الحياة بسبب ما وقع له فيها من آلام ومشكلات.
أما ما يقع في العمليات الاستشهادية، فهو أن المسلم يتسبب بقتل نفسه، ولكن من أجل القيام بواجب شرعي، وهو الجهاد في سبيل الله، ومن أجل "النكاية بالعدو" - كما يقول الفقهاء.
وإذا اختلفت النية بين المنتحر الذي يريد التخلص من الحياة بدون سبب، وبين من يقدم حياته لله -عز وجل- في إطار عملية استشهادية، فمن الطبيعي أن يختلف الحكم الشرعي؛ بناء على ما توافق عليه العلماء من أثر النية في أعمال المسلم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المشهور: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (رواه الشيخان).
ومقتضى هذا القول يخرج العمليات الاستشهادية من نطاق الانتحار المحرم، ويمكن بعد ذلك أن تكون مباحة أو مندوبًا إليها أو واجبة.
والذي أراه في مثل أحوال إخواننا في فلسطين، الذين احتل العدو أرضهم وبيوتهم ومقدساتهم، وطرد الكثيرين من إخوانهم (أكثر من أربعة ملايين فلسطيني)، واستحضر من المهاجرين اليهود مثل هذا العدد أو أكثر، واستعان عليهم بأكبر قوة عسكرية في العالم، وحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، ولا يزال يقتل أطفالهم ونساءهم وشبابهم بدون أية رحمة، وهم لا يملكون مواجهته بأسلحة مكافئة.. لا يملكونها، بل قد تكون الدول العربية كلها لا تملك مثلها، فليس لهم من سبيل للقيام بالواجب الشرعي في مجاهدة العدو إلا ضرب الحجارة، وهذا يعبر عن مشاعر عالية، ولكنه لا يؤدي إلى نكاية في العدو، فلم يعد أمامهم إلا العمليات الاستشهادية، التي يستطيع المجاهد فيها أن يلحق أذى كبيرًا بالعدو، فيقتل ويجرح أعدادًا كبيرة، ولكنه يعرض نفسه للموت.
إني أعتقد أنه -في مثل هذه الظروف- تصبح العمليات الاستشهادية واجبًا شرعيًّا على كل قادر، وأن المجاهد الذي يُقتل فيها يعتبر شهيدًا، ونرجو الله -عز وجل- أن يجعله في أعلى منازل الشهداء.
وإني أدعو إخواني المجاهدين من شباب فلسطين إلى القيام بمثل هذه العمليات بدون تردد، طالما أنها السبيل الوحيدة للقيام بواجب الجهاد، وطالما أن نية المجاهد فيها أن يقدم حياته لنصرة دينه وأمته.
وأتمنى على إخواني العلماء الذين يترددون في هذه المسألة، أن يعيدوا النظر فيها في ضوء ما ذكرت وما ذكره كثير من العلماء، وأسأل الله أن يوفقنا جميعًا للصواب.
والله تعالى أعلى وأعلم