تقصيري في رمضان يحبطني.. هل يمكنني تعويض ما فات؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب كنت قد وضعت لنفسي خطة روحانية لشهر رمضان، تشمل قراءة القرآن بانتظام، قيام الليل، والحرص على الأذكار، لكن للأسف مرَّ نصف الشهر ولم ألتزم بها كما كنت أتمنى.</p> <p>أشعر بإحباط شديد وبتقصير في حق نفسي، وكأنني أضعت نصف رمضان دون أن أستثمره كما ينبغي.</p> <p>هل لا يزال هناك أمل في التعويض خلال الأيام المتبقية؟ وكيف يمكنني استدراك ما فاتني دون أن يغلبني الإحباط أو الشعور بالفشل؟</p> <p>أرشدوني بارك الله فيكم.</p>

أرحب بك أخي الكريم، وأسأل الله أن يشرح صدرك، ويثبتك على طاعته، ويجعل قلبك عامرًا بالإيمان واليقين، وبعد...

 

فلقد سرني سؤالك، فهو يدل على نفس لوَّامة تسعى إلى الخير، وتتحسر على فوات الطاعات، وهذه علامة حب الله لك، إذ وفقك للشعور بالتقصير والسعي نحو الإصلاح، فهنيئًا لك هذا القلب الحيّ.

 

أخي الحبيب، إن رحمة الله واسعة، وهو سبحانه لا يغلق باب التوبة أبدًا، بل يحب العبد الذي يعود إليه حتى لو تأخر أو قصر. والتاريخ يشهد بأن لحظات قليلة من الإخلاص يمكن أن تُغير المصير، وأن الله سبحانه يجبر القليل ويبارك في الأعمال الصالحة إذا صدقت النية. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

 

وأنت -يا أخي- ما زلت في شهر رمضان، وما زالت أبواب الخير والجنان مفتحة، وما بقي من الشهر أعظم مما مضى، ففيه العشر الأواخر، وليلة القدر التي قال عنها الله: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3].

 

وقد أخبر النبي ﷺ عن عظم هذه الليلة فقال: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ له مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» [متفق عليه].

 

لذلك، أخي الكريم، اجعل ما تبقى من رمضان انطلاقة جديدة، وثق بأن الله يعوضك أضعافًا مضاعفة، فربما تعوض في ليلة واحدة ما فاتك في أيام.

 

خطوات عملية لاستدراك ما فاتك:

 

1- جدد نيتك واستعن بالله:

 

اجعل نيتك خالصة لله، واسأله العون، وقل كما قال موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ [طه: 25]. وثق بأن الله لن يضيع سعيك.

 

2- ضع خطة مرنة وواقعية:

 

لا تركز على الكم بقدر ما تركز على الإخلاص والاستمرارية؛ مثلاً:

 

* إن لم تستطع ختم القرآن، فركز على تدبر ما تقرأ.

 

* إن لم تصلِّ القيام كثيرًا، فاجعلها ركعات قليلة بخشوع صادق.

 

* اجعل الأذكار وردًا يوميًّا بسيطًا، لكن دائمًا.

 

3- اغتنم العشر الأواخر:

 

* ركز على قيام الليل ولو بركعتين خاشعتين.

 

* أكثر من الدعاء؛ خصوصًا دعاء: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» [الترمذي].

 

* اجعل لك صدقة ولو يسيرة؛ فالصدقة تُطفئ غضب الرب.

 

4- تجنب الإحباط واستشعر عظمة المغفرة

 

لا تترك الشيطان يستدرجك إلى الحزن واليأس؛ فالمهم هو حسن الختام. تأمل هذا الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي» [الترمذي].

 

فكيف تيأس وربك يغفر لك بمجرد رجوعك إليه؟

 

وختامًا أخي الغالي، اجعل ما تبقى من رمضان صفحة جديدة مع الله، وتذكر أن القليل الدائم مع الإخلاص أعظم عند الله من الكثير المنقطع والفتور. لا تنظر إلى الماضي؛ بل انظر إلى الفرصة العظيمة التي أمامك، والله يبارك في القليل، ويضاعف الأجر لمن أقبل عليه بصدق.

 

أسأل الله أن يرزقك القبول، وأن يجعلك وإيانا من عتقائه في هذا الشهر المبارك، وأوصيك أن تبشر نفسك دائمًا بقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» [البخاري]. فاجعل ختام رمضان لك نورًا ورفعة، وثق بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.