<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</p> <p>أنا شاب أسعى إلى التقرب من الله عز وجل، وأحرص على طاعته، لكنني أجد نفسي أحيانًا في حيرة بين الخوف منه سبحانه وبين محبته. فأحيانًا يغلب عليَّ جانب الخوف حتى أشعر بالرهبة الشديدة من الذنوب والعقاب، وأحيانًا يغلب عليَّ جانب المحبة فأشعر بالطمأنينة، ولكن أخشى أن يكون ذلك تهاونًا<span dir="LTR">.</span></p> <p>كيف يمكنني تحقيق التوازن الصحيح بين الخوف من الله ومحبته؟ وهل هناك علامات تدل على أنني قد حققت هذا التوازن؟ وكيف يمكنني أن أتعامل مع هذه المشاعر بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر؟</p> <p><span dir="RTL">جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم</span>.</p>
أهلًا بك أخي الكريم، وبارك الله فيك، وشكر لك حرصك على التقرب منه تعالى، ونسأل الله أن يرزقك قلبًا مطمئنًا بذكره، خاشعًا في محبته، عامرًا بخشية تعينه على طاعته، وبعد...
فاعلم أخي الحبيب أن السائر إلى الله تعالى لا بد أن يكون قلبه كجناحي الطائر، أحدهما الخوف، والآخر المحبة، فإن اختلَّ أحدهما اختلَّ السير، وإن فقدهما معًا سقط من علياء العبودية إلى هاوية الغفلة أو القنوط. فالخوف يحجزك عن المعاصي، والمحبة تدفعك للطاعات، والرجاء يمنحك الأمل برحمة الله.
وقد كان النبي ﷺ يُعلّم أصحابه هذا الميزان الدقيق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبيُّ ﷺ على شاب وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟»، قال: أرجو الله يا رسول الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله ﷺ: «لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمَّنه مما يخاف» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
كيف نوازن بين الخوف من الله ومحبته؟
التوازن بين الخوف من الله ومحبته يكون بفهم طبيعة كل منهما، ووضعهما في موضعهما الصحيح:
1. الخوف من الله:
الخوف الصادق من الله يدفع العبد إلى الطاعة، ويبعده عن المعصية، وهو الذي يجعلك تحاسب نفسك، وتطلب العفو والمغفرة.
وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، أي أن الخشية الحقيقية تنبع من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته.
لكن يجب أن يكون الخوف معتدلًا، فلا يصل إلى درجة اليأس من رحمة الله، فقد قال رسول الله ﷺ: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد» [رواه مسلم].
2. محبة الله:
المحبة هي الوقود الذي يحرك القلب للطاعة، ويجعل العبد يجد لذته في العبادة، ولا يشعر بها كتكليف ثقيل. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165]، فالمؤمن الصادق يملأ قلبه حب الله، حبًّا يجعله يستلذ بطاعته، ويتحمل لأجله المشاق.
ومن دلائل محبة الله اتباع النبي ﷺ، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 31].
ما علامات تحقيق التوازن بين الخوف والمحبة؟
يمكنك معرفة أنك حققت التوازن بين الخوف والمحبة من خلال هذه العلامات:
* إذا وجدت نفسك تخاف الذنوب، ولكنك لا تيأس من رحمة الله، فأنت على طريق التوازن.
* إذا كنت تشعر بمحبة الله عند الطاعة، ولكنها لا تجعلك تتساهل في المعاصي.
* إذا كان الخوف يدفعك للاستغفار والتوبة، لا للإحباط والقنوط.
* إذا كنت تتلذذ بعبادة الله، ولكنك مع ذلك تخشى التقصير فيها.
* إذا كنت تفرح بفضل الله، ولكنك لا تأمن مكره.
وقد قال ابن القيم رحمه الله: «القلب في سيره إلى الله تعالى بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فإذا قطع الرأس مات الطائر، وإذا فقد الجناحان أصبح عرضة لكل صائد».
كيف نتعامل مع تقلب المشاعر بين الخوف والمحبة؟
لا شك أن النفس تتقلب بين لحظات الخوف والحب؛ لذلك هناك منهج نبوي يمكن اتباعه:
* عند المعصية يُغلَّب الخوف: إذا وقعتَ في الذنب، فليكن خوفك هو الغالب، حتى لا تتمادى فيه، ولكن لا تيأس أبدًا، بل أسرع إلى التوبة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53].
* عند الطاعة تُغلَّب المحبة: إذا كنت في عبادة، فلتكن محبتك لله هي الغالبة، حتى تشعر بلذة الطاعة، وتزداد قربًا منه، كما قال رسول الله ﷺ عن أعظم حلاوة الإيمان: «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» [متفق عليه].
* في حالة المرض أو الموت يُغلَّب الرجاء: عند الضعف أو المرض أو الاحتضار، فإن النبي ﷺ أوصانا بأن يكون الرجاء في رحمة الله هو الغالب، حتى يُحسن العبد الظن بربه.
وختامًا أخي الحبيب، لا تقلق من هذه المشاعر المتقلبة، فكل مؤمن يمر بها، والمهم أن تستمر في طريقك إلى الله، مستعينًا بدعائه وسؤاله أن يرزقك القلب السليم.
تذكَّر قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: 24]، فاسأله أن يرزقك قلبًا يخافه فلا يعصيه، ويحبه فلا ينقطع عنه، ويرجوه فلا يقنط من رحمته.
نسأل الله أن يرزقنا وإياك حسن الظن به، وخشيته ومحبته على الوجه الذي يرضيه عنا، وأن يجعل قلوبنا متوازنة في سيرها إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.