ابني الشاب.. كيف أنقذه من الضياع؟!

<p>دكتورة، أنا أم محتارة وما أدري شسوي، تعبت من التفكير والحيرة ومو قادرة ألقى حل مع ولدي، وحاسة إني قاعدة أخسره جدام عيني، وقلبي يعورني عليه، بس بنفس الوقت مو قادرة أسيطر على الوضع.</p> <p>&nbsp;</p> <p>ولدي الكبير، عمره ٢١، وعندي بعده أربع بنات، يعني المفروض يكون هو سندي وعزوتي، بس للأسف، أحسه ضايع وضايعني معاه. من يوم كان صغير وهو شوي منطوي، ما يحب يشارك وايد، بس لما كبر تغير، صار عنيد ومتمرد على عيشته معانا، ما يحب أحد يقول له شنو يسوي، وحتى لو نصحته بالكلمة الطيبة أو حاولت أقرب له، ما يستجيب. المشكلة الأكبر أبوه!</p> <p>&nbsp;</p> <p>أبوه شديد، صوته دايمًا عالي، يعنفه على كل شي، مهما حاول ولدي يسوي زين، أبوه دايمًا يشوفه فاشل وما فيه خير. حتى لو حاولت أتدخل وأهدي بينهم، أبوه يصرخ عليّ أنا بعد ويقول لي &quot;إنتي تدلعينه، هذا ما منه فايدة&quot;، ويزيد الطين بلة لما يحاول يطرده من البيت، وأنا أتوسل له إنه ما يسويها، بس أحس يوم عن يوم الوضع يزداد سوء، وقلبي خايف إن ولدي ينحرف أكثر أو حتى يفكر بشي كبير مثل الانتحار، لا سمح الله.</p> <p>&nbsp;</p> <p>اكتشفت إنه يدخن، وما أدري إذا في بلاوي ثانية، بس حتى لو كان، فهذا مو الحل، هذا دليل إنه مضغوط ومو لاقي اللي يفهمه. أنا تعبت، حاسة بمرار العيش، بين قسوة أبوه وتمرده، وأنا بالنص لا عارفة أساعده ولا عارفة شلون أخلي أبوه يخف عليه.</p> <p>&nbsp;</p> <p>دكتورة، تكفين دليني، شلون أقدر أكون له الحضن اللي يرجع له؟ شلون أقدر أساعده يوقف على ريوله بدل لا يضيع أكثر؟ وشلون أقدر أخلي أبوه يفهم إنه لو استمر بهالطريقة راح يخسره للأبد؟</p>

أختي الحبيبة،

 

أسأل الله أن يفرّج همّك ويهدي لك ابنك ويصلح أحوالكم جميعًا.

 

أقدّر جدًّا مشاعرك وما تمرّين به من قلق وحيرة، وأتفهم تمامًا ألم قلبك بين تمرده وقسوة أبيه، فليس هناك أشد على قلب الأم من أن ترى فلذة كبدها يضيع من بين يديها دون أن تتمكن من إنقاذه.

 

أولًا: من خلال وصفك لابنك، يبدو أنه يمرّ بمرحلة اضطراب نفسي واجتماعي، حيث يعاني مما يُعرف في علم النفس بـ "الهوية المضطربة" (Identity Confusion)، وهو أمر شائع لدى الشباب في مثل سنّه، خاصة في ظل وجود ضغط أسري شديد وعدم وجود مساحة آمنة للتعبير عن ذاته.

 

هناك جانب آخر مهم، وهو أن شخصيته تميل إلى الانطواء ولكنها في نفس الوقت متمردة، وهذا يشير إلى وجود الصراع الداخلي بين رغبته في الاستقلال ورغبته في الحصول على القبول والتقدير من والده.

 

وعندما يشعر الشاب بأن كل محاولاته للنجاح أو لإثبات ذاته تُقابل بالنقد والإحباط، فإنه يتجه إلى سلوكيات خاطئة مثل التدخين، وربما أسوأ من ذلك، للهروب من الألم النفسي.

 

يقول الشاعر أحمد شوقي:

 

ليس اليتيم من انتهى أبواه من ** همّ الحياة وخلّفاه ذليلا

 

إن اليتيم هو الذي تلقى له ** أمًّا تخلّت أو أبًا مشغولا

 

ابنك ليس يتيمًا، ونعوذ بالله من يُتم أبنائنا، ولكنه يشعر باليُتم العاطفي بسبب بُعد والده عنه، وشعوره بأنه بلا قيمة داخل الأسرة.

 

ثانيًا: لا بد ومن الضرورى جدًّا احتواء ابنك.. وهنا أنا سوف أعوٓل عليك حبيبتى، فدوركِ كبير في إصلاحه، وهذا سيكون إن شاء الله تعالى بالآتي:

 

1- يجب أن تكوني له السند العاطفي.. فأنتِ الملجأ الوحيد له الآن، فلا تتوقفي عن احتوائه، حتى لو رفض ذلك ظاهريًّا.

 

كوني له الحضن الدافئ والصدر الحنون الذي لا يحكم عليه ولا ينتقده، بل يستمع إليه بحب دون مقاطعة أو توجيه اللوم.

 

- استخدمي أسلوب "التواصل العاطفي الفعّال" (Effective Emotional Communication)، وهو أن تُظهري له أنك تفهمين مشاعره دون محاولة تغييرها مباشرة. قولي له مثلًا: "أعلم أنك تمر بضغط كبير، وأعرف أن تصرفات والدك تُشعرك بالإحباط، لكني أؤمن بك، وأريد أن أساعدك بالطريقة التي تراها مناسبة لك".

 

- لا تسأليه عن أخطائه بشكل مباشر، بل حاولي سؤاله عن مشاعره تجاه حياته، وماذا يريد أن يحقق، وكيف ترين أنكِ تستطيعين مساعدته.

 

يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه تحفة المودود بأحكام المولود:

 

"وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه، وقد أهانه.. وأنه يرحمه، وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوّت على ولده دنياه وآخرته".

 

٢- بقدر الإمكان حاولي إبعاد ابنك عن دائرة الصدام مع والده..

 

فابنك يرى والده مصدرًا دائمًا للألم النفسي؛ لذلك يحاول الابتعاد عنه بالتمرد أو السلوكيات الخاطئة. دورك هنا هو "كسر حلقة الصراع"، بمعنى ألا تجعلي المواجهة مستمرة بينهما.

 

اجعلي اللقاءات بينهما قصيرة ومحددة، وحاولي أن تكون في أجواء هادئة، مثل الخروج لتناول العشاء أو المشي في مكان عام، حيث يكون الجو أقل توترًا.

 

- كذلك إن استطعتِ، اجعلي شخصًا ثالثًا محبوبًا لدى ابنك ووالده (مثل العم، الجد، الخال) يتدخل بأسلوب هادئ لتخفيف حدة العلاقة بينهما.

 

٣- أيضا من الجيد إشراكه في أمور تحمّله المسؤولية وتشعره بقيمته..

 

فأحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب للتمرد هو الشعور بأنهم بلا قيمة داخل الأسرة. لذلك، اجعليه يشعر بأنه مسؤول عن شيء معين، كإدارة جزء من ميزانية المنزل، أو الاهتمام بإحدى شقيقاته في الدراسة، أو حتى تولي أمر إصلاح شيء في المنزل..

 

وعندما ينجح في هذه المهام، امدحيه بكلمات واضحة، مثل: "كنت واثقة أنك سوف تنجح في هذا الشيء، فخورة بك، الله يحفظك لي".

 

فهذا ما يسمى في علم النفس بـ "التعزيز الإيجابي" (Positive Reinforcement)، وهو من أقوى الأدوات لتغيير السلوك للأفضل.

 

٤- ثم عليكِ بوضع خطة لتخليصه من العادات السيئة تدريجيًّا..

 

التدخين أو أي عادة سلبية أخرى لا يمكن إيقافها بالعنف أو الصراخ، بل تحتاج إلى "استراتيجية التغيير التدريجي" أو الـ (Gradual Behavior Modification).

 

فمثلا بدلًا من قول: "لا تدخن، هذا خطأ!"، جربي قول: "أعرف أنك تحاول تتخلص من هذه العادة، وأؤمن أنك قادر عليها، متى ما كنت مستعدًا، أنا معك وأساعدك بأي طريقة تحتاجها".

 

وهنا عندما يشعر بأن القرار بيده، سيحاول تغييره بنفسه؛ لأنه لن يرى فيكِ خصمًا، بل شريكًا في التغيير.

 

٥- وأوصيك غاليتي بديمومة الدعاء والاستغفار والصبر والاحتساب..

 

فلا تنسي أن الهداية من الله، وأنتِ عليكِ الأخذ بالأسباب. أكثري من الدعاء له كما كانت تفعل أم الإمام مالك -رحمه الله- عندما قالت: "يا بني، الزم العلماء، وخذ من أخلاقهم قبل علمهم".

 

كما أوصيك أن تستعيني بالاستغفار، فهو مفتاح الفرج. قال تعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)}.

 

وكوني على ثقة بأن الله تعالى لن يضيع ابنك ولن يضيمك فيه أبدًا إن شاء الله، فقط أحسني الظن برب العباد.

 

حبيبتي.. صبرك هو أعظم سلاح لك، واحتواؤك لابنك قد يكون الفرق بين ضياعه وبين صلاحه، فلا تيأسي أبدًا.

 

وأيضا لا تملي من محاولاتك بالحسنى مع والده، فكرري له بأسلوب لطيف في أوقات هدوئه بأنه ابنه الحبيب والوحيد الذي يحتاج إلي حبه واحتوائه ومصاحبته حاليا، فهو الذي سيكون سنده في الكبر، وعلى الأب أن يبر ابنه حتى يبره ابنه ولا يخسره كصديق وابن وسند.

 

وإذا أردتما نصحه فلا تطلبوا منه الشيء في صيغة أوامر، بل بأسلوب لطيف وإرسال رسائل غير مباشرة من خلال الحكي له عن مواقف مشابهة مع الآخرين.

 

وأنت الوحيدة غاليتي، التى تمتلك مفاتيح شخصية زوجها وتعلم كيف يكون مزاجه صافيا بأسلوبك اللطيف، "فإن من البيان لسحرا".

 

* همسة أخيرة إلى قلب أختي الحبيبة:

 

ابنكِ ليس فاشلًا، بل هو روح تبحث عن الحب والتقدير والاحتواء. تمرده ليس عيبًا فيه، بل استغاثة مكتومة منه، يمكنكِ أن تُنقذيه منها، وأنتِ قادرة على ذلك بحكمتك وصبرك واحتوائك.

 

ارفعي سقف طموحك لابنك، واصبري عليه، فأنتِ ربان السفينة، وبإذن الله، ستصلين به إلى برّ الأمان.

 

أسأل الله لك وله التوفيق وصلاح الأحوال وأن يهديه ويقر عينك به وبإخوته وأن يطعمك الله تعالى من خيرهم.