<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب جامعي، أعيش صراعًا داخليًّا بين حبي العظيم لأبي وحزني الشديد عليه، فهو يدخّن السجائر باستمرار، ورغم أنني أخشى على صحته وأتألم لرؤيته يضر نفسه، إلا أن ما يؤلمني أكثر هو تقصيره في الصلاة. أراه يغفل عن أداء الفريضة، وأشعر بالقلق كلما مرت الأيام وهو على هذه الحال<span dir="LTR">.</span></p> <p>ولا أريد أن أكون ابنًا عاقًا، فأنا أدرك أن للأب مكانة عظيمة في الإسلام، لكنني أخشى أن أقف أمام الله يوم القيامة وأحاسب على تقصيري في نصحه. كيف يمكنني أن أساعده ليترك التدخين ويحافظ على الصلاة دون أن أجرحه أو أُشعره بأنني أفرض عليه شيئًا؟ أريد طريقة حكيمة تجمع بين البرّ واللين، وتجعلني سببًا في هدايته، فبماذا تنصحونني؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الشاب الحبيب، أشعر بمدى صدق مشاعرك، وأرى في كلماتك حبًا صادقًا وحرصًا نادرًا على والدك، وهذا يدل على قلب مليء بالبر والإحسان.
واعلم بأنّ حبك لأبيك وخوفك عليه نعمة عظيمة، وهذا الإحساس بحد ذاته هو أول طريق التأثير عليه؛ لأنه نابع من قلبٍ مخلص يريده في خير الدنيا والآخرة، وإن أوَّل ما أودّ أن أقوله لك: لا تشعر بالإحباط، فالهداية بيد الله، وما عليك إلا أن تبذل الأسباب بحكمة وصبر. وهاك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدك على التأثير في والدك برفق وحب:
أولًا: الدعاء.. مفتاح القلوب المغلقة
الدعاء هو أقوى سلاح لك، فهو الذي يغيّر الحال، ويبدّل القلوب. فبدلًا من الانشغال بالقلق والتفكير المستمر، اجعل لك وردًا يوميًّا من الدعاء الصادق لوالدك، خاصة في أوقات الاستجابة مثل السجود وثلث الليل الأخير. قل: اللهم يا مقلّب القلوب، ثبّت قلب أبي على دينك، ووفقه لترك التدخين والمحافظة على الصلاة، واجعلني سببًا في هدايته يا كريم.. فكم من ابن دعا لوالده فاستجاب الله له بكرمه ورحمته؟
ثانيًا: كن قدوة مُلهمة لأبيك
قد تستغرب، لكن الوالد أحيانًا يتأثر بابنه أكثر مما يتأثر بأي شخص آخر، خاصة إذا رأى منك الاستقامة والحب والبر في آنٍ واحد. اجعل التزامك بالصلاة مشهدًا يوميًّا مألوفًا له، وأظهر الراحة والسكينة التي تجنيها منها، دون أن تلقي عليه مواعظ مباشرة.
1) اجلس بجانبه بهدوء وابدأ في قراءة القرآن بصوت جميل، فقد يدفعه ذلك لسماع الآيات دون أن يشعر.
2) إذا حان وقت الصلاة، قُمْ بفرحٍ ونشاط، وادعه بطريقة محببة، كأن تقول له: أبي، سأذهب للمسجد وأحب أن تصلي معي، وجودك يسعدني.
3) اجعل صلاتك في البيت أمامه هادئة وخاشعة، ليرى الفرق بين حال الإنسان الملتزم بالصلاة والبعيد عنها.
ثالثًا: الحوار الهادئ أقصر طريق للقلب
لا تخاطب أباك بنبرة النصح الجافّ؛ بل اختر أسلوبًا لطيفًا قريبًا لقلبه. بدلاً من أن تقول له: لماذا لا تصلي؟ لماذا تدخن وأنت تعلم أضراره؟
قل له: أبي الغالي، أنت أغلى إنسان عندي، وأنا أحبك وأريد أن أراك بصحة جيدة وقلب مطمئن.. هل فكرت يومًا في التقليل من التدخين؟ هل جربت أن تحافظ على صلاة واحدة في المسجد يوميًّا؟ أنا واثق أنك تستطيع، وأحبّ أن أكون بجانبك في هذه الرحلة. فالكلمات اللطيفة تفتح القلوب المغلقة، فلا تيأس إذا لم تجد استجابة سريعة، فالتغيير يحتاج إلى وقت.
رابعًا: استخدم التأثير غير المباشر
أحيانًا لا يتقبل الأب النصيحة المباشرة، لكنه قد يتأثر برسائل غير مقصودة، مثل:
1) تشغيل مقطع مؤثر عن الصلاة أو التدخين في وجوده دون أن تعلق عليه.
2) وضع كتاب صغير عن أضرار التدخين في مكان يجلس فيه كثيرًا.
3) إرسال رسالة محبة عبر الهاتف مثل: أبي، كم أتمنى أن تعيش معنا بصحة وعافية لعمر طويل، أنت أغلى ما أملك.
قد تبدو هذه الأمور بسيطة، لكنها تُحدث أثرًا عميقًا في النفس.
خامسًا: اجعل له بدائل عملية عن التدخين
التدخين ليس مجرد عادة جسدية؛ بل هو أيضًا ارتباط نفسـيّ وسلوكيّ؛ لذا ساعده على إيجاد بدائل أخرى، مثل الآتي:
1) دعوته لممارسة رياضة خفيفة، مثل المشـي؛ فالرياضة تُخفف من الرغبة في التدخين.
2) تقديم مشـروبات طبيعية بديلة تساعده على تقليل الاعتماد على السجائر.
3) تشجيعه على الاندماج أكثر مع الأسرة بدلًا من الجلوس وحده والتدخين.
سادسًا: الصبر.. لا تتوقع التغيير السريع
فقد تحاول معه مرارًا، لكنه يظل على حاله، وهنا يأتي دور الصبر وعدم استعجال النتائج. فالهداية تأتي ببطء، وقد تحتاج إلى شهور أو حتى سنوات، لكن لا تيأس أبدًا؛ فكم من أب عاد إلى الله بسبب كلمة عابرة من ابنه لم يكن يتوقع أثرها!
ختامًا: لا تنسَ البرّ رغم التقصير
حتى لو بقي والدك على حاله، فاحرص على بره دائمًا، وكن له ابنًا حنونًا، فالبر لا يرتبط بطاعة الأب، بل هو عبادة قائمة بذاتها. وتذكر دائمًا: قد يكون أبوك سببًا في دخولك الجنة، ليس فقط لأنه والدك، بل لأنك صبرت عليه، وأخلصت في دعوته، وأخذت بيده إلى الله بحب ورحمة، وأسأل الله أن يهدي والدك، ويجعلك سببًا في صلاحه، ويكتب لك الأجر العظيم على برّك وصبرك، وأشكرك على حسن تواصلك وحرصك الكريم.