كيف نتعامل مع المقبلين على المساجد في رمضان؟

<p>أنا إمام أحد المساجد، وألاحظ أن كثيرًا من الناس يُقبلون على المساجد في شهر رمضان، لكن ما إن ينقضـي الشهر حتى يعود بعضهم إلى ما كانوا عليه من التراخي في أداء الصلوات والبعد عن الجماعة. فكيف يمكنني التعامل مع هؤلاء المترددين الجدد على المسجد؟ وما الوسائل الفعالة لجذبهم وتحبيبهم في بيوت الله، حتى يثبتوا على الطاعة بعد رمضان؟ أرجو توجيهًا علميًّا وعمليًّا يجمع بين الأصالة والمعاصرة.</p>

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فمرحبًا بك أيها الإمام الفاضل، وهدى الله بك عباده، وجعلك مفتاح خير للغير، واعلم -أخي الكريم- بأن شهر رمضان يمثل موسمًا عظيمًا لعودة كثير من الناس إلى المساجد، وهذه فرصة ينبغي استثمارها بحكمة، لجعل المسجد محببًا إلى قلوبهم، لا أن يكون مجرد محطة عابرة في حياتهم، وعليك اكتساب مهارات الحكمة والتودد إلى المقبلين الجدد، وفقًا لما يأتي بيانه:

 

أولًا: التأصيل الشرعي لأهمية الحكمة في الدعوة

 

لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال: ﴿ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بالْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بالتي هيَ أَحْسَنُ﴾، وهذا أصل مهم في التعامل مع الناس بمختلف مستويات التزامهم، كما أن النبي ﷺ كان يراعي أحوال الناس ويأخذهم بالتدرج، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ قال: (يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ)، وهذا يدل على ضرورة اللين في دعوة الناس وتوجيههم.

 

ثانيًا: وسائل جذب المترددين إلى المساجد بعد رمضان

 

ويتمثل ذلك في الآتي:

 

1) التواصل الحي والتقرب إليهم: رحّب بهم بحرارة، وأشعرهم بأنهم جزء من المسجد وأهله، وكن قريبًا منهم بعد الصلاة، واسأل عن أحوالهم، فهذا يرسّخ علاقتهم بالمسجد.

 

2) التدرج في النصح وعدم اللوم: فلا تبدأ معهم بالتوبيخ على انقطاعهم السابق، بل ركّز على تشجيعهم، وذكّرهم بأنَّ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، كما في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ قال: (أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).

 

3) تنويع الأنشطة لجذبهم: كأن تُنظِّم دروسًا خفيفة بعد الصلوات، تكون قصيرة وجذابة، ويمكنك العمل على إطلاق برامج اجتماعية، مثل لقاءات أسبوعية أو إفطارات جماعية في صيام النوافل.

 

4) استخدام القدوات الملهمة: بأن تذكر لهم قصص مَن ثبتوا بعد توبتهم، وكيف كانت حياتهم قبل الهداية، واستشْهِد بقصص الصحابة الذين تغيّرت حياتهم بعد الإسلام، مثل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

5) تيسير العودة بعد رمضان: بيّن لهم أن الطاعة بعد رمضان ليست محصورة في العبادات الشاقة، بل تبدأ بخطوات يسيرة، وشجّعهم على الالتزام بصلاة الفجر في المسجد مرة أو مرتين أسبوعيًّا كبداية، وذكّرهم بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13، 14].

 

6) الدعاء لهم بالتثبيت: فلا تنسَ الدعاء لهم في صلاتك؛ فالدعاء من أقوى أسباب الهداية والثبات.

 

ثالثًا: إليك بعض النماذج العملية من الواقع

 

1) بعض المساجد نجحت في جذب المصلين عبر حلقات القرآن والدروس الحوارية الخفيفة.

 

2) استخدام مجموعات واتساب أو تليجرام لنشـر رسائل إيمانية قصيرة أثبت فاعليته في استمرار التواصل مع المصلين.

 

3) تخصيص لقاء أسبوعي بعد العشاء مدته خمس دقائق فقط، جعل بعض المصلين يحرصون على البقاء في المسجد والاستفادة.

 

وأخيرًا: أيها الإمام المبارك، إن رسالتك عظيمة، وأنت على ثغر من ثغور الإسلام، فابذل وسعك في تقريب الناس إلى الله بالحكمة والرفق، واجعلهم يشعرون بأن المسجد بيتهم الثاني، حتى يبقى ارتباطهم به طوال العام، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الطاعة، وأن يجعلنا من عُمَّار بيوته في رمضان وبعد رمضان.