<p>اكتشفت أن زوجي يخونني ورأيت كل شيء وواجهته، وللأسف لم ينكر وقال لي إنه يحبها وسيتزوجها، وقال لي اذهبي من هنا.. أنا ندمت أني واجهته لأني ليس لي أحد، لكني لم أفكر وقتها ماذا سيحدث وتهورت وواجهته وندمت ندم عمري على ذلك. وقال لي لو لم يعجبك الأمر امشي، لكن لم أفعل لأني ليس لي مكان أذهب إليه أنا وأولادي.</p> <p>مر على الموضوع 40 يوما، وكل واحد في حاله، لا يكلمني ولا أنا بكلمه، لا أدري إلى متى سيظل الوضع هكذا.. هل ينفع أكلمه وأنهي الموضوع وأعيش لأجل أولادي، خصوصا أنه قصر في مصاريف البيت ويعامل الأولاد معاملة سيئة جدا، أم سيراني رخيصة؟</p> <p>أنا أريد رأيكم، أرجو أن تفيدوني لأني أشعر بكسرة نفس عمري ما حسيتها في حياتي.</p>
أختي الكريمة، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله -سبحانه- أن يربط على قلبك، ويخفف عنك هذا الألم، ويجبر خاطرك جبرًا يليق بكرمه ولطفه، وأن يوفقنا لمساعدتك، وبعد...
فإني أعلم أن ما تمرِّين به ليس سهلًا، وأنك تشعرين بألم شديد وقهر لا يُحتمل؛ لكن تذكَّري أن الله يرى ويسمع، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، ولن يضيعك أبدًا.
أولًا- وقفة مع «الخيانة».. أم أنها ليست خيانة؟!
أختي العزيزة، ما واجهتِه ليس مجرد خلاف زوجي عادي، بل هو ابتلاء شديد، لكن هل كان فعل زوجك خيانة فعلًا كما قلت؟ الحقيقة أنكِ لم توضحي في رسالتكِ ما الذي حدث منه بالضبط؛ هل كان مجرد حديث بينه وبين امرأة أخرى؟ أم تعلق قلبي؟ أم وصل الأمر إلى علاقة غير شرعية والعياذ بالله؟ فكل حالة من هذه الحالات لها حكمها وطريقة التعامل معها، وأبين ذلك باختصار شديد حتى لا أطيل:
* إذا كان مجرد حديث، فهذا قد يكون خطأ؛ لكنه لا يصل إلى حد وصفه بالخيانة، وربما يكون من الضعف البشري الذي يمكن إصلاحه بالتفاهم والموعظة الحسنة.
* إذا كان تعلقًا قلبيًّا، فهذا أمرٌ مؤلم؛ لكنه قد يكون عابرًا، ويمكن العمل على استعادة مشاعره بالحكمة والصبر.
* أما إذا كان زنا -والعياذ بالله- فهنا يكون الذنب عظيمًا، والخيانة في أوضح صورها، ولكن حتى في هذه الحالة، هناك فرق بين توبةٍ صادقةٍ يمكن أن تعيد الأمور إلى نصابها، وبين إصرارٍ على المعصية يستوجب موقفًا حاسمًا.
لذلك، من الضروري أن تتأكدي أولًا من حقيقة ما حدث قبل أن تتعاملي معه على أنه «خيانة»؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
ثانيًا- كيف تتعاملين مع هذا الابتلاء؟
1- اللجوء إلى الله والاستعانة به:
فهذا وقت تحتاجين فيه إلى القرب من الله أكثر، فتوجَّهي إليه بالدعاء والاستغفار والطاعات والقربات، واسأليه أن ينير بصيرتك لما هو خير لك ولأبنائك. قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2]. واعلمي أن الله يختبرك بهذا الألم؛ لكنه لا يتركك وحدك فيه؛ بل يريد أن يرفعك ويطهِّرك ويعوِّضك، فاصبري واستبشري بالفرج.
2- تحليل الموقف وتحديد الخيارات:
الآن أنت في حالة صمت وهجر بينك وبين زوجك، والوضع لا يمكن أن يستمر هكذا.
أولًا، لا بد من فهم حقيقة موقفه، فهل هو واقع في خيانة محرمة أم أنه يريد الزواج الشرعي بتلك المرأة؟ فإن كان الأمر زواجًا شرعيًّا، فالأصل أن ذلك ليس خيانة في حد ذاته، لأنه حقٌ أباحه الله له، قال تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3]. ولكن هذا لا يعني أنه يجوز له أن يظلمك أو يهملك أو يقصِّر في حقوقك وحقوق أبنائك؛ لأن الله قد اشترط في التعدد العدل، فقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: 3].
فإن كان يظلمكِ، أو يترككِ في هذا الوضع دون نفقة أو اهتمام، فهذه ليست مجرد مشكلة زواجٍ بأخرى؛ بل هي مشكلة ظلم وتقصير في الحقوق، وعليكِ أن توضحي له ذلك بحكمة.
وأمامك خياران أساسيان:
الخيار الأول: المواجهة والاستمرار بحذر
إذا قررتِ البقاء من أجل الأولاد، فليكن ذلك بوعي تام، لا بذلٍّ أو استجداء، وإنما بتحديد موقف واضح. هل سيستمر في هجره لك؟ هل ستقبلين بحياة خالية من المودة والاحترام؟ إذا كنت ستبقين، فيجب أن يكون بشروط:
* وضع حدٍّ للتقصير في النفقة على البيت، فهذا حقك الشرعي، قال النبي ﷺ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» [رواه مسلم].
* ضمان عدم تعرُّض الأولاد للأذى النفسي والجسدي.
* محاولة إصلاح العلاقة تدريجيًّا، إن كنتِ ترغبين في ذلك.
الخيار الثاني: الانفصال إذا استحالت العِشرة
إذا رأيتِ أن الكرامة باتت مهدورة، وأن الاستمرار في هذا الوضع سيدمّرك إيمانيًّا ونفسيًّا، فاعلمي أن الطلاق –وإن كان خيارًا مُرًّا– قد يكون بابًا لحياة أكرم وأهدأ، خصوصًا إذا استمر زوجك في جفائه وقسوته. فالإسلام لا يفرض عليك البقاء في حياة مؤذية، وقد قال تعالى: ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ﴾ [النساء: 130]. لكن لا تتعجلي القرار، فكِّري برويَّة في المآلات، ووازني بين حياتك الحالية وما بعد الطلاق، وابحثي ظروفك جيدًا، واستخيري الله، واستشيري أهل الحكمة من حولك.
ثالثًا- هل الحديث معه حل؟
بعد مرور 40 يومًا من القطيعة، قد يكون من المناسب أن تجلسي معه لجلسة هادئة، تضعين فيها النقاط على الحروف، وتسألينه بوضوح:
* هل ينوي الاستمرار معك بوصفك زوجة لك حقوقك الشرعية؟
* هل هو مستعد لتحمل مسؤولية أبنائه؟
* هل هناك أي نية لديه لإصلاح ما أفسده؟
وإن لم يتيسر الحديث المباشر بينكما، فقد أرشدنا الله في مثل هذه النزاعات إلى اللجوء إلى التحكيم، فقال: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: 35]. فيمكنكما اختيار شخصين تثقان بهما كلاكما من أهلك أو أهله، أو يمكنكما اللجوء إلى عالم أو مستشار أسري، ليقرب وجهات النظر ويحاول إصلاح الأمور بينكما.
رابعًا- هل ستكونين رخيصة؟
أختي العزيزة، إن العلاقة بين الزوجين ليست ساحة معركة بين كرامة وكبرياء؛ بل هي ميثاق غليظ كما سماه الله، لا تُقاس بمفاهيم مثل «الرخص» و«الكرامة» بالمعنى السلبي المتعارف عليه، وإنما بمقدار الرحمة والمودة بين الزوجين، ومراعاة كل منهما لحقوق الآخر النفسية والمادية. فالأصل أن يلين كل منهما للآخر، ويخفض جناحه له، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]. وقد قال ربنا عن الصلح بين الزوجين: ﴿وإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا والصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128] فليس في أي وسيلة تؤدي إلى الصلح بينكما وتحفظ حقوقكما إهانة أو رخص.
فإن وجدتِ في نفسكِ قدرة على الصلح والصبر، فهذا خيارٌ كريم، وإن لم تستطيعي تحمُّل الوضع والسعي في الصلح، فالحل في اتخاذ القرار الذي يحفظ لكِ توازنكِ الإيماني والنفسي وسعادتكِ، دون تعجُّل، كما أشرت لك من قبل.
أسأل الله أن يجبر خاطركِ، ويرزقكِ سكينة في القلب، وحلًّا يرضيكِ، ويرفع عنكِ البلاء بحكمته ولطفه، وتابعينا بأخبارك.