<p>هل المعاصي تبطل الصيام أم تنقص الأجر فقط؟ أفتونا مأجورين.</p>
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد اختلف الفقهاء حول المعاصي هل تفطر الصائم إفطارًا ماديًّا مثلها مثل تعمد أكل الطعام والشراب والجماع في نهار رمضان أم أنها تنقص من أجر الصائم.
يرى بعضهم ومنهم الظاهرية أن المعاصي تفطر الصائم مثل الطعام والشراب والجماع، فمن اغتاب مسلمًا، أو ظلمه أو اقتطع حقه عن طريق الرشوة، أو سجنه بغير حق، أو عذّبه، أو جنى جناية بفمه أو عينه أو رجله أو يده فقد أفطر عامدًا.
ويرى جمهور الفقهاء أن المعاصي تنقص أجر الصائم وتجرح أجره حتى تكاد تأتي عليه، فلم ينل من صيامه إلا الجوع والعطش، ومن قيامه إلا السهر والتعب، كما أخبرنا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ورأي الجمهور وإن كان هو الراجح، وهو ما نفتي به، غير أن المسلم العاقل لا يتعب نفسه في الصيام بالنهار والقيام بالليل ثم لا يخرج من ذلك بشيء؛ فالصيام مدرسة أخلاقية كبرى يتربى فيه المسلم على تحقيق التقوى بمعناها الشامل الرحب، فإن لم يستفد منها فهو أحمق لا يحسن التصرف.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله –:
ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تفطِّر الصائم، فمن ارتكب بلسانه حرامًا كالغيبة والنميمة والكذب، أو استمع بأذنه إلى حرام كالفحش والزور، أو نظر بعينه إلى حرام كالعورات ومحاسن المرأة الأجنبية بشهوة، أو ارتكب بيده حرامًا كإيذاء إنسان أو حيوان بغير حق، أو أخذ شيئًا لا يحل له، أو ارتكب برجله حرامًا، بأن مشى إلى معصية، أو غير ذلك من أنواع المحرمات، كان مفطرًا.
فاللسان يُفطِّر، والأذن تُفطِّر، والعين تُفطِّر، واليد تُفطِّر، والرجل تُفطِّر، كما أن البطن تُفطِّر، والفرج يُفطِّر.
وإلى هذا ذهب بعض السلف: أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو ظاهر ما روي عن بعض الصحابة والتابعين، وهو مذهب الإمام الأوزاعي، وهو ما أيده ابن حزم من الظاهرية.
وأما جمهور العلماء: فرأوا أن المعاصي لا تُبطل الصوم، وإن كانت تخدشه وتصيب منه، بحسب صغرها أو كبرها.
والله تعالى أعلى وأعلم