<p>أنا مسؤول عن متابعة استخدام الإنترنت في مدرسة خاصة، ولاحظت إن كتير من الطلبة بيستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل غلط، وبيخشوا على مواقع فاسدة فيها صور وفيديوهات غير لائقة، وحاجات لا تليق بديننا وأخلاقنا، وبقى الموضوع عادي ومتقبل عند ناس كتير في المجتمع<span dir="LTR">.</span></p> <p>المشكلة مش بس في إننا نمنعهم جوه المدرسة، لأن الإنترنت بقى في كل حتة، والموبايلات في إيديهم طول الوقت، سواء في المدرسة أو بره. أنا مش عايز مجرد رقابة مؤقتة، أنا نفسي أوصلهم الفكرة صح، بحيث يبقى عندهم قناعة داخلية تبعدهم عن الحاجات دي، مش مجرد خوف من المنع أو العقاب<span dir="LTR">.</span></p> <p>لكن لما بحاول أنصحهم، بيقولولي: "ليه؟ إيه المشكلة؟" وأنا شايف الموضوع واضح لدرجة إني ساعات مش بعرف أرد عليهم بطريقة تقنعهم وتغير تفكيرهم<span dir="LTR">.</span></p> <p><span dir="RTL">إزاي أقدر أتكلم معاهم بطريقة تأثر فيهم بجد وتخليهم يبعدوا عن الحاجات دي بإرادتهم؟</span></p>
الأخ العزيز رضا، مرحبًا بك، وأشكرك على شعورك بالمسؤوليَّة، وحرصك على أن يتخلَّق طلبة مدرستك بالخلق الحسن، والدين القويم، وبعد...
فلا شكَّ أنَّ هذه العادة التي يمارسها بعض الشباب تعبِّر عن انحرافٍ خلقيٍّ ودينيٍّ تسرَّب إلى نفوس هؤلاء الشباب، وهم لا يشعرون بعظيم خطره على حاضرهم ومستقبلهم ودنياهم وآخرتهم.
وأنت بالفعل راعٍ في هذا المكان، ومسؤول عن رعيِّتك أمام الله عزَّ وجلّ، كما أخبر النبيُّ ﷺ، فإن أهملت وفرَّطت تحمَّلت إثمك وإثم هؤلاء الطلاب.
ومبدئيًّا –أخي الكريم- نحن نعيش في زمن أصبح فيه الإنترنت والهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وهذا يعني أن ضبط سلوك الشباب لا يمكن أن يعتمد على المنع وحده، بل لا بد من غرس الوعي والإيمان في قلوبهم، حتى تكون لديهم رقابة ذاتية تجعلهم يتركون الحرام بإرادتهم، لا خوفًا من العقوبة، وإنما حبًّا لله وحرصًا على طاعته.
والمشكلة أن كثيرًا من الشباب يرون هذه المواقع والمحتويات الفاسدة مجرد «تسلية»، غير مدركين أنها تفسد القلب، وتضعف علاقتهم بالله، وتؤثر على فكرهم وسلوكهم. لذلك، من الضروري أن نبين لهم لماذا هذا الأمر خطير عليهم.
أخي رضا، غالبًا ما تكون النصيحة الآمرة المباشرة الموجِّهة، والتي يستشعر مستقبِلها أنَّها آتيةٌ من موقع السلطة والتحكُّم، غالبًا ما تكون ثقيلةً على النفس غير مقبولة، ولكنَّها عندما تأتي من موقع الحبِّ تجد قبولًا وترحيبًا كبيرين في نفسه.
لذا، فإنَّ أوَّل خطوةٍ على طريق نصح هؤلاء الطلبة وجعلهم يقلعون عن مشاهدة هذه الموادّ، أن تصل إلى قلوبهم، وتحتلَّ عندهم مكانةً عالية، فيحبُّونك ويحترمونك، ويقتنعون بك، ويقبلونك أبا، أو أخًا أكبر، أو صديقًا ناصحًا ومخلصًا، لا مجرَّد مسؤول في المكان.
وطرق الوصول إلى ذلك تتعدَّد فنونها وتتنوَّع أساليبها، ما بين إظهار الحبِّ لهم، والعطف عليهم، والتواضع لهم، ومشاركتهم أوجه النشاط المختلفة، وإعطائهم الهدايا النافعة، كلُّ ذلك بما لا يخلُّ باحترامهم لك، وأنت أدرى بنفسيَّات طلبتك وطرق الوصول إلى قلوبهم.
ثمَّ بعد أن تجد لك بابًا إلى قلوبهم تستطيع الدخول منه إليهم والتأثير فيهم، فإن أول ما يجب أن تغرسه في نفوسهم هو أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان بفطرة نقية، وكلما حافظ عليها، زادت صلته بالله ونمت روحه، وكلما تلوثت بما لا يرضي الله، أحس بالبعد عنه. قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30].
فالله أمر المؤمنين بغض البصر، لا لتضييق حياتهم، بل لتزكية نفوسهم وحفظ قلوبهم من التلوث؛ لأن العين نافذة إلى القلب، وما ينظر إليه الإنسان ينعكس عليه ولو لم يشعر بذلك. وفي كل مرة يغض الإنسان بصره، يجد حلاوة الإيمان في قلبه، وكل مرة يسمح لنفسه بالنظر إلى الحرام، يشعر أن قلبه قد تلوث وابتعد عن الله.
ولتعلمهم أن الأمر قد يبدأ بدافع الفضول، ثم يتحول إلى عادة، ثم يصبح إدمانًا، حتى يجد الإنسان نفسه غير قادر على الاستغناء عنه، وهذا يؤثر على عبادته، وعلاقته بأهله، ونظرته للحياة والزواج مستقبلًا. قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59]، أي أن الاستمرار في اتباع الشهوات يؤدي إلى الضياع والخسران.
ابذل ما في وسعك لتجعلهم يقتنعون أوَّلًا بقبح هذه الممارسات، وبأنَّها تمثِّل انحرافًا خلقيًّا ودينيًّا، لا شيئًا مألوفًا عاديًّا، وأنَّ في المداومة عليها أضرارًا شديدةً تحيق بهم في الدنيا وفي الآخرة، وحاول أن تحشد لهم من الأدلَّة والمقنِعَات النقليَّة والعقليَّة والعمليَّة والواقعيَّة ما يؤيِّد هذا ويدعمه، فإنَّ الاقتناع بالفكرة أوَّل سبيل العمل بها، وممَّا يمكن استخدامه في هذا الصدد:
1- أنَّ ميل الرجال إلى النساء، واشتهاء النظر إلى أجسادهنَّ فطرةٌ بشريَّةٌ وضعها الله عز وجل في نفوس الناس جميعًا، المؤمن والكافر، الصالح والفاجر، يقول عز وجل: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ…) [آل عمران: 14]، وهذه الفطرة غير مستنكرةٍ ولا مستقذرة، بل هي ضروريَّةٌ لإعمار الأرض وبقاء الخليقة، والإسلام لا ينكر هذه الشهوة ولا يجرِّمها ولا يكبتها، ولكنَّه ينظِّمها ويوجِّهها توجيهًا عفيفًا طاهرًا، يحفظ طهارة القلوب والأرواح والأجساد والأنساب، فوضع عدَّة قواعد تضبطها وتوجِّهها كغضِّ البصر، وحثَّ على الزواج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام. قال ﷺ: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّه له وِجاء» [متَّفقٌ عليه] وقال عليه الصلاة والسلام: «العينان تزنيان، وزناهما النظر» [رواه مسلم].
2- إنَّ الأمر لا يقف عند حدِّ الآثار النفسيَّة، بل يتعدَّى إلى أضرارٍ جسميَّةٍ صحيَّة، فعندما يشاهد الشاب هذه الصور والأفلام المثيرة، تشتعل شهوته وتتوتَّر أعصابه، ويتهيَّأ الجسد للممارسة الجنسيَّة، فإذا لم تحدث هذه الممارسة تظلُّ الأعصاب مشدودة، وأعضاؤه محتقنة لفترةٍ ليست بالقصيرة، وغالبًا ما تلجئ المرء لممارسة العادة السريَّة، ولهذا كلُّه أثره البشع على الجهازين العصبيِّ والتناسليّ، وبمرور الوقت تتدرَّب النفس، ويتعوَّد الإنسان على التلذُّذ بهذه المشاهدة، واعتبارها بديلًا للممارسة الشرعيَّة الصحيحة، بل والأخطر من ذلك أنَّها تصبح طريقة المتعة الوحيدة، ولا يعود للممارسة الجنسيَّة الصحيحة أيُّ إحساسٍ باللذَّة.
3- وجد عددٌ من الباحثين أن إدمان مشاهدة هذه الصور والأفلام يورث جرائم الاغتصاب، وعدم المبالاة لهذه الجرائم وتحقيرها.
وخلاصة الأمر فيها، أنَّها خسارةٌ من كلِّ الجوانب، فلا حزت الراحة التي طلبتها، ولا منعت أضرار ذلك عنك.
وأوَّلًا وأخيرًا، أنَّ هذا الفعل وما يترتَّب عليه، يغضب الله -عز وجل- ويعرِّض فاعله لسخطه -سبحانه وتعالى- وإحباط عمله وعقابه. قال النبي ﷺ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا» فسأله الصحابة: من هم؟ فقال: «إِنَّهُمْ قَوْمٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» [رواه ابن ماجة]. أي أن هناك أناسًا يأتون يوم القيامة بحسنات عظيمة، لكنها تضيع بسبب ذنوب الخلوات (الذنوب التي يفعلها الإنسان عندما يكون وحده)، فيجب أن يتذكر الشاب دائمًا أن الله يراه في جميع أحواله.
وبعد أن يوافقوك الرأي ويقتنعوا بضرر ما يفعلون، اعمل على أن تولِّد في نفوسهم الرغبة الأكيدة والإرادة الصادقة للتخلُّص من هذه العادة المنحرفة، فالإرادة شرطٌ أساسيٌّ لنجاح أيَّة محاولةٍ لتعديل السلوك، وأخبرهم أنَّك تعرف أنَّ الإقلاع عن هذه العادة وأيَّة عادةٍ اعتادها الإنسان فترةً من الزمن ليس سهلاً؛ لأنَّ في مقاومة هوى النفس مشقَّةً وجهدًا، وأنَّ الله -عز وجل- يُقَدِّر ذلك في الإنسان، ويثيبه عليه ثوابًا كبيرًا إن استطاع أن يكبح جماح نفسه، ويردَّها عن الغيِّ إلى الصواب: (وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى . فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى) [النازعات: 40 و41]، بل ويعينه -سبحانه وتعالى- ويأخذ بيديه، يقول عز وجل: (والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
وأثناء ذلك يجب عليك أن تُعمِل التفكير في وسائل تنسيهم هذه العادة وتعوِّضهم عنها، كأن تعد لهم قائمةً بعناوين عِدَّة مواقع مفيدةٍ جذَّابة، تجمع بين العلم والترفيه المباح، وتوجِّههم إلى أنشطةٍ أخرى يشغلون بها أوقاتهم، واطرح عليهم مشروعاتٍ جديدةً لقضاء الوقت واستثمار الطاقة، مثل مختلف أوجه النشاط المدرسيّ المفيد: الرياضيّ، أو الثقافيّ، أو الاجتماعيّ.
وحاول في ثنايا ذلك أن تأخذ بأيديهم وتحثَّهم على المحافظة على الصلاة في وقتها، فالصلاة -كما قال عز وجل– (تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45]، وتطلب منهم أن يدعوا الله -سبحانه وتعالى- أن يعينهم على الالتزام بطاعته وترك معصيته.
اعمل على تحفيزهم دائمًا كلَّما رأيتهم يتصفَّحون مواقع مفيدة، وينخرطون في أنشطةٍ نافعة، وشجِّعهم وهنِّئهم، وإذا وجدتَّهم ضعفوا أمام رغبتهم فلا تعنِّفهم، ولكن اغفر تقصيرهم واصبر عليهم، وأعد الكَرَّة ثانية، واعلم أنَّ الإنسان من الصعب أن يتغيَّر في يومٍ وليلة، ولذلك فعليك بسياسة النفَس الطويل.
احذر أن تشعرهم أنَّك أنت الرقيب عليهم، بل انزع من صدورهم ذلك، وأكِّد لهم أنَّك الحبيب لهم، وأشعرهم أنَّك تثق فيهم، وقوِّ عندهم الشعور بمراقبة الله -عز وجل- لهم، ومراقبتهم هم أنفسهم لأنفسهم. وحثهم على الاستغفار والتوبة إن ضعفوا مرة أو مرات وعادوا لهذه المعصية؛ لأن باب التوبة مفتوح، والله يحب التوابين. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]. المهم ألا يستسلم العاصي، بل يجاهد نفسه، وكلما وقع عاد سريعًا إلى الله؛ لأن الله يحب من يتوب إليه ويجاهد نفسه في سبيل طاعته.
لِمَ لا تحاول إشراك غيرك من المعلِّمين الملتزمين الواعين ليساعدوك في توجيه ورعاية هؤلاء الطلاَّب وتغيير سلوكهم، بشرط ألا تكشف سرَّ الطلاَّب أو تفضحهم، وإنَّما اطلب من هؤلاء المعلِّمين أن يتحدَّثوا عن ضرورة وجود الإرادة والإيجابيَّة في نفس الشابّ، وأنَّ الشباب هم الأمل، وهم صانعو الأمجاد، فعليهم أن يربؤوا بأنفسهم من أن يرعَوا مع الهمل، كما قال الشاعر:
قد هيئوك لأمرٍ لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ
ولماذا -أيضًا- لا تتَّصل بآباء هؤلاء الطلاب -إن أمكن– وتتَّفق معهم على التعاون فيما بينكم على توصيل المفاهيم الإيجابيَّة العامَّة لأولادهم، بنفس المنطق السابق، دون أن تكشف سِتر طلاَّبك، لأنَّك إن فعلتَ خسرت كلَّ شيء، فلن يعوُد لكلامك معهم جدوى، وجعلتهم أكثر إصرارًا على المعصية، فكنت كمن بنى بنيانًا شاهقًا ثمَّ قام بهدمه فترك كلَّ شيءٍ بعده خرابا.
وختامًا -أخي الكريم- اعلم أنَّ الأمر سيأخذ منك جهدًا ووقتًا، ويحتاج منك إلى صبرٍ وعزيمةٍ وصِدْق اللجوء إلى الله عز وجل. إن دورك عظيم ومؤثر؛ لأنك لا تسعى فقط لمنع عادة سيئة؛ بل تعمل على بناء قلوب واعية قريبة من الله، وهذا من أعظم الأعمال. لا تيأس من التأثير، فربما الكلمة التي تقولها اليوم، تغير حياة شاب بعد سنوات.
أسأل الله أن يبارك فيك، ويجعل كل جهد تبذله في ميزان حسناتك، وأن يهدي بك قلوب الشباب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.