<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب بحاول ألتزم بطاعة ربنا وأبعد عن المعاصي، لكن عندي شوية ذنوب مش قادر أبطلها خالص، زي التدخين ومشاهدة الأفلام الإباحية. سمعت قبل كده إن الذنوب اللي ضررها بيكون على صاحبها بس، ومش بتتعدى للغير، زي اللي ذكرتها، ممكن تكون أقرب للعفو من ربنا، فهل الكلام ده صحيح؟ يعني هل في فرق بين الذنوب اللي بتضر الناس زي الظلم وأكل حقوقهم، وبين الذنوب اللي تأثيرها على الشخص نفسه بس؟ أنا كل شوية بحاول أتوب، وباحس بندم كبير بعد ما بعمل الحاجة، لكن للأسف برجع تاني، وحاسس إني في دايرة مقفولة مش عارف أخرج منها. هل مجرد إن الذنوب دي مش بتضر حد غيري يخليها أخف؟ وإزاي أقدر أبطلها نهائي وأتوب توبة حقيقية؟ وجزاكم الله خيرًا<span dir="LTR">.</span></p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله -أخي الحبيب- وبارك فيك، وأسأل الله أن يرزقك الإخلاص والثبات، وأن يعينك على السير في طريقه، ويشرح صدرك ويقوي عزيمتك، ويجعل لك من لدنه نورًا وهدى، وبعد...
فسؤالك حول الفرق بين الذنوب التي تضر صاحبها وحده وبين تلك التي تمتد للآخرين، وهل هناك تخفيف في العقوبة بسبب ذلك، هو سؤال دقيق له أبعاد عدة، وسأحاول -مستعينًا بالله- أن أجيبك عنه بتفصيل حتى تتضح لك الصورة:
الذنوب –بصفة عامة– تنقسم إلى قسمين:
1- ذنوب تتعلق بحق الله تعالى: وهي الذنوب التي تكون بين العبد وربه، كالتقصير في العبادات، أو الوقوع في المعاصي الشخصية التي لا يتعدى ضررها إلى غير مرتكبها -لحد ما- مثل التدخين ومشاهدة المحرمات.
2- ذنوب تتعلق بحقوق العباد: وهي الذنوب التي يتعدى ضررها لآخرين، مثل: الظلم بأخذ أموال الناس بغير حق، أو الاعتداء عليهم، أو استغلال سلطتك ضدهم. وأكل أموال الناس بالباطل، كالغش، والسرقة، والرشوة، والمماطلة في ردِّ الديون. والغيبة والنميمة، والاعتداء الجسدي أو النفسي بالضرب، أو السب، أو التنابز بالألقاب.
والقاعدة في الفرق بينهما أن الذنوب المتعلقة بحقوق العباد أشد خطرًا؛ لأن الله تعالى قد يغفر لمن عصاه في حقه، لكنه لا يغفر لمن ظلم عبدًا من عباده حتى يعفو المظلوم أو يأخذ حقه يوم القيامة. وقد قال النبي ﷺ: «مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه» [رواه البخاري].
أما الذنوب التي تتعلق بحق الله وحده، فهي -على خطرها العظيم- أقرب إلى العفو إذا تحققت التوبة الصادقة؛ لأن الله -سبحانه- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
والتوبة النصوح -عمومًا- لا تكتمل إلا بثلاثة شروط: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه. ثم تزيد شرطًا رابعًا إذا تعلق الذنب بحق من حقوق العباد، وهو: ردُّ الحقوق إلى أهلها أو طلب العفو منهم فيعفون.
لكن هذا لا يعني أن الذنوب الشخصية مستهان بها، بل يجب الحذر منها؛ لأن الذنب قد يبدأ بشيء صغير ثم يجرُّ إلى ما هو أعظم، فبعض هذه الذنوب قد تؤدي إلى الانحراف عن طريق الله، وتُضعف الإيمان، وقد تجرُّ صاحبها إلى الكبائر، فالمعاصي يُورث بعضها بعضًا، كما قال أحد السلف: «إن من عقوبة الذنب، الذنب الذي يأتي بعده».
كذلك، قد يظن البعض أن الذنوب الشخصية التي لا تؤذي الآخرين بشكل مباشر، مثل التدخين أو مشاهدة المواقع الإباحية، مقتصرة في ضررها على الفرد وحده، إلا أن الحقيقة غير ذلك؛ فكل معصية تترك أثرًا يتجاوز صاحبها، ولو بشكل غير مباشر. فالتدخين -على سبيل المثال- لا يضر المدخن وحده، بل يؤثر على أسرته من خلال الضرر الصحي الذي قد يلحق بهم، بسبب التدخين السلبي، فضلًا عن العبء المالي الذي يضعه على عائلته.
وكذلك مشاهدة المحرمات، فإنها تضعف القلب وتفسد الفطرة، مما ينعكس على التعامل مع الزوجة أو الأبناء، حيث قد تنشأ حالة من النفور أو عدم الرضا بالحلال، أو تتشوه مفاهيم العلاقة الزوجية السليمة، مما يؤثر على استقرار الأسرة.
وهكذا، فإن المعاصي التي نظنها شخصية تترك بصماتها على من حولنا، حتى دون أن نشعر، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25].
أما عن توبتك المتكررة ثم العودة للذنب مرة أخرى، وشعورك باليأس، فاعلم أن الشيطان يحاول أن يجرك إلى اليأس والقنوط، بينما الله -سبحانه- يدعوك إلى الرجاء والتوبة مهما تكرر الذنب. قال النبي ﷺ: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» [رواه مسلم].
فالمطلوب منك أن تتوب في كل مرة، ولا تيأس مهما تكررت الانتكاسات؛ لأن اليأس هو باب الشيطان لإبعادك عن الله، قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
كيف تتخلص من هذه الذنوب نهائيًّا؟
1- الصدق في طلب التوبة: تذكر أن التوبة ليست مجرد ندم لحظي، بل هي قرار صارم بعدم الرجوع، فاجعلها صادقة لله تعالى.
2- الفرار من بيئة الذنب: إذا كنت تعلم أن هناك أسبابًا تدفعك إلى الوقوع في هذه المعاصي، فابتعد عنها تمامًا. قال النبي ﷺ: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» [رواه البخاري]. وقال ﷺ: «اتَّقِ المحارمَ تَكُنْ أَعبَدَ النَّاسِ» [رواه الترمذي].
3- الانشغال بالطاعات والمفيد من الأعمال: أشغل وقتك بطاعة الله، وما ينفعك في دنياك وآخرتك، فإن النفس إن لم تُشغل بالحق شُغلت بالباطل.
4- الدعاء واللجوء إلى الله: استعن بالله واسأله العون، فقد كان النبي ﷺ يدعو: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها» [رواه مسلم].
5- الصحبة الصالحة: ابتعد عن رفقاء السوء، واصحب من يعينك على الخير، فإن الإنسان يتأثر بمن حوله. قال النبي ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالِل» [رواه أبو داود].
6- الصبر على المجاهدة: تَرك العادات السيئة يحتاج إلى صبر، فلا تستعجل النتيجة. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
ختامًا -أخي الحبيب- تذكر أن الله يحبك ويريد لك الخير، وهو أرحم بك من نفسك، فلا تدع الشيطان يحبطك، بل استعن بالله، واصدق في التوبة، وكررها مهما سقطت، فالعبرة ليست بعدم السقوط، بل بالقيام بعد كل مرة.
أسأل الله أن يطهّر قلبك، ويعينك على نفسك، ويحبب إليك الطاعة، وينفّر قلبك من المعصية، وأن يجعلك من التائبين الصادقين المقبولين. اللهم آمين.