إن كان هذا وقتي الوحيد للقرآن والذكر فهل يقبلني الله؟

<p>وقتي مضغوط جدًّا بسبب الشغل والالتزامات العائلية، ومش قادر أحدد وقت ثابت للقرآن أو الذكر، فبستغل وقت المواصلات أو وأنا ماشي في الطريق أو في فترات الانتظار. هل عليَّ ذنب في كده؟ خايف يكون ده عدم احترام وسوء أدب مع ربنا. ولو ده الوقت الوحيد اللي أقدر أذكر فيه ربنا وأقرأ قرآن، أعمل إيه؟ وربنا هيقبلني كده؟</p>

أخي الحبيب، جزاك الله خيرًا على سؤالك وحرصك على رضا الله، وهو يدل على قلب حيٍّ يتوق إلى طاعة الله ويخشى التقصير في حقه سبحانه. ولا شك أن هذا الشعور نعمة من الله تستوجب الشكر، فهو من علامات الإيمان الصادق. أسأل الله أن يبارك في وقتك وجهدك، ويجعل سعيك في ميزان حسناتك، وبعد...

 

فإن القرآن الكريم والذِّكر هما غذاء القلوب ورَوح المؤمنين، وقد حثَّنا الله ورسوله عليهما في كل وقت وحال. قال الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، وهذه الآية تدل على أن ذكر الله لا يقتصر على وقت أو هيئة معيَّنة؛ بل هو مطلوب في جميع الأحوال.

 

كما قال النبي ﷺ: «سبق المُفَرِّدون». قالوا: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» [رواه مسلم]. فمجرد حرصك على الذكر وتلاوة القرآن في الأوقات التي تجدها متاحة، حتى لو كنت في الطريق أو في المواصلات، هو أمر محمود وليس فيه إثم، بل هو دليل على تعلق قلبك بذكر الله، ومسابقتك إليه.

 

أما عن سؤالك إن كان في هذا قلة احترام وسوء أدب مع الله، فاعلم -أخي الكريم- أن الله -سبحانه- رحيم بعباده، وهو يعلم حالك وظروفك، ويجازيك على نيتك وسعيك. والأصل في الأدب مع الله هو حضور القلب والخشوع بقدر الاستطاعة. صحيح أن قراءة القرآن بخشوع وتدبر في مواضع الهدوء أفضل، لكن هذا لا يعني أن قراءته في أوقات وأحوال كالتي ذكرتها تُعدُّ سوء أدب؛ بل على العكس، هذا يدل على أن قلبك معلق بكلام الله رغم ضغوط الحياة ومتطلبات العيش، وهذا شيء يحبه الله.

 

وقد كان بعض الصحابة يذكرون الله ويقرؤون القرآن في أسفارهم وغزواتهم، ولم يُنكر عليهم النبي ﷺ ذلك؛ بل أرشدنا إلى أن تكون ألسنتنا رطبة بذكر الله في كل وقت، فقال ﷺ: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» [رواه الترمذي].

 

واعلم أيضًا أن الله أرحم بك من نفسك، وهو القائل: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، فالله لا يشقُّ على عباده، بل يقبل منهم ما يستطيعون. فإن كنت لا تجد وقتًا آخر، فاستمر على ما أنت عليه، مع الحرص على استثمار أي فرصة لقراءة القرآن بتدبر قدر المستطاع، ولو دقائق معدودة قبل النوم أو بعد الفجر.

 

وتذكَّر أن الله سبحانه شكور، أي أنه يضاعف الأجر على القليل من العمل إن كان نابعًا من قلب صادق. وقد قال النبي ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم]، فما دمت مخلصًا في نيتك، فبإذن الله ستجد أثر هذا الذكر والقرآن في حياتك وقلبك.

 

فيا أخي الحبيب، واصل ذكرك وتلاوتك، وأبشر بفضل الله وكرمه، ولا تدَعْ وساوس الشيطان تثنيك عن الخير. واسأل الله أن يجعل القرآن نورًا لقلبك، وسعادة لروحك، وأن يرزقك أوقاتًا مباركة للعبادة والخشوع. ولا تنسَ أن الدعاء مفتاح التيسير، فاسأل الله أن يبارك في وقتك ويعينك على طاعته.

 

وفقك الله وجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.