<p>السلام عليكم.. مشكلتي غريبة فقد بدأت بسعي إحدى زوجات أصدقائي لإقامة علاقة معي، وبمرور الوقت استسلمت لرغباتها في لقائها وفعلت معها كل شيء إلا الزنا، ولكن مقدماته نعم وحاولت المرة تلو الأخرى الخلاص من هذه المصيبة حتى تخلصت ونسيتها. المشكلة أن زوجها ما زال على علاقة بي ويحضر إليّ وهو بخيل جدًّا استشعرت الضيق؛ لأنني كنت أصرف كثيرًا من مالي على بخيل ظنًّا أن له ظروفًا. المهم أن رغبتي في الانتقام من زوجته التي دفعتني للرذيلة والانتقام من الزوج البخيل انصبّ بكامله على طفلهما البالغ من العمر عام واحد، فيحضر والده به والولد يحبني فيرتمي إليّ فأترك والده بحجة شراء أشياء للولد وأذيقه فنونًا من العذاب من لطم قاس على الوجه إلى رفعه من قدميه ورميه على الأرض إلى الضغط على جسده الضعيف، وأتلذذ ببكائه وهكذا يستمر الحال معي. قساوة القلب لم تكن بي يومًا فحبّي للأطفال شديد، ولكن لا أدري لما المتعة في تعذيب هذا الطفل ولا أجد طريقًا للعودة إلى الله، فكيف يلين قلبي كيف؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
بداية أخي.. لقد وقفت كثيرًا أمام كلامك وأنا عاجز عن أخذ قرار من أي زاوية أبدأ في الرد عليك، بل وترددت هل أصدق كلامك أم أعتبره نوعًا من الدردشة الإلكترونية التي يتخذها الكثيرون وسيلة للتسلية وتضييع الوقت، خاصة مع ما يحمله كلامك من تناقض وغرابة، فكيف يحبك هذا الطفل ذو العام الواحد ويرتمي في أحضانك رغم أنك تذيقه العذاب ألوانًا؟!
وأمام هذا ليس أمامي إلا أن أتعامل مع كلامك على أنه حقيقة، وأمام هذا الأمر أبدأ معك بقول الحبيب المصطفى الرحمة المهداة للعالمين في الحديث الذي يقول فيه: "دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض" (صحيح البخاري).
وعلى الجانب الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: "بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر".
أخي الكريم.. من الحديثين السابقين -وأمثالهما الكثير- يتضح لنا عظم هذا الدين الذي تعدت رحمته بني آدم لتشمل الحيوانات، فتعذيب هرّة سبب في دخول النار، وسقي كلب سبب لمغفرة الله الذنوب، بل وقبل المغفرة الشكر للعبد!!.. تخيل أن ربّ العزة هو الذي يشكر عبده؛ لأنه ترفق بخلق من خلقه سبحانه وتعالى، فما بالك أخي بتعذيب نفس إنسانية لا تعي ولا تدرك ولا تستطيع الدفاع عن نفسها والتعبير عن شكواها؟!
أستطيع من كلامك أن أدرك أنك ذو شخصية ضعيفة مهزوزة وسلبية؛ فزوجة صاحبك تغويك وتستسلم لرغباتها، وزوجك بخيل -على حد قولك- ويبتز أموالك، وأنت أمام هذا وذاك لا تستطيع أخذ موقف ولا دفاعًا عن النفس، فتفرغ كبتك وما يعتور نفسك من إحساس بالسلبية في هذا الرضيع الذي لا يملك حولاً ولا قوة، ولا أدري ماذا يكون شعورك بعد هذا؟..
هل حللت المشكلة؟ أم هو مجرد تنفيس العاجز عن نفسه؟.
أخي، اعلم أن بخل صاحبك هذا لا يساوي شيئًا أمام جرائمك أنت في حق الإنسانية، فماذا يساوي البخل بجوار خيانة صاحبك مع زوجته وتعذيبه لولده؟
وهيا نزن أعمالكما أنت وصاحبك بميزان الإيمان:
أولا: بخل صاحبك -إن كان فعلا كذلك- لا يخرجه عن دائرة الإيمان، وإليك الدليل من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم طبيب النفوس والعالم بأدوائها؛ فعن مالك عن صفوان بن سليم أنه قال: "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: لا" (موطأ مالك).
هذه هي السوءة الوحيدة التي عند صاحبك كما تراها أنت، وهي في ميزان الشرع مقبولة حسب الطبيعة البشرية، رغم أنك لم تذكر لنا شيئًا عن حالتك المادية وحالة صاحبك هذا، فلعل ضيق ذات اليد سبب فيما تراه بخلا.
ثانيًا: بالنسبة لأعمالك أنت في ميزان الشرع.. فإليك هذا الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..." (صحيح البخاري). فما فعلته مع زوجة صاحبك يدخل في إطار الزنا والخيانة التي يرتفع عنك الإيمان بسببها حتى ولو لم ترتكبا الفاحشة المغلظة، وإليك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لكل بني آدم حظ من الزنا، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان يزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القبل، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" (مسند أحمد).
أفلا يُعَدّ نظرك لزوجة صاحبك واختلاؤك بها زنا للعين وجريمة في حق صاحبك؟! وألا يُعَدّ بطشك بطفله زنا لليد؟!
والزنا كما ذكر الحديث قبل الأخير يخرج صاحبه من الإيمان، ولا أقصد بذلك أنك كافر، ولكنه رفع لمظلة الإيمان عنك أثناء إتيانك هذه الأمور، وأنك ما زلت في دائرة الإسلام.
ولا تتذرع بأن زوجة صاحبك هي التي أغوتك وهي السبب فيما حدث، فأنت رجل وكان عليك ألا تستجيب لها، بل وكان عليك أن تنصحها وتبين لها خطورة ما هي عليه، وأن تقطع علاقتك بها، بل وأن تهددها بأنك ربما تكشف أمرها لزوجها إن لم تَتُب وتَعُد عما تريد.
واعلم أن توفر سبب المعصية ليس حجة لإتيانها؛ فسيدنا يوسف عليه السلام كانت أمامه أجمل جميلات الأرض وكانت كل الظروف مهيأة له، ولكنه قال: {مَعَاذَ الله}، ولما اشتد البلاء من حوله فضل السجن عن إتيان الفاحشة فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} (يوسف: ).
إذن أخي هل يستوي فعلك مع فعل صاحبك؟ أرأيت فداحة ما فعلت؟.
أما كان أجدى بك أن تعمل على إصلاح حال صاحبك وزوجه، وعلاج ما بهما من عيوب عن طريق النصيحة والدعوة بالتي هي أحسن حتى تأخذ أجر المصلحين بدل أن تنساق في ركاب المفسدين؟!
أخي.. أرجو أن تفيق لنفسك، وأن تحفظ عرض صاحبك في زوجه وولده، وأنت تعمل على إصلاح ما به من عيوب، فإن لم تستطع تحمل ذلك فعليك أن تقطع علاقتك به فورًا حتى لا يكون سببًا في هلاكك عن طريق ما تفعله مع زوجه وولده، ويوم القيامة تكون العداوة بينكما {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67).
بل عليك أن تنظر إلى حال هذا الطفل الذي يحبك ويرتمي إليك.. ما ذنبه هو إن أخطأ أبوه وأمه؟ واعلم أنك كما تدين تدان، وأن ما تفعله بالآخرين سيفعل بك وبأهلك، وإليك قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
إذا رمت أن تحيا سليمًا من الردى *** ودينك موفـور وعرضـك صيـن
فلا ينطقن منـك اللسـان بسوءة *** فكلـك سـوءات وللنـاس ألسـن
وعينـاك إن أبـدت إليـك معايبـا *** فدعها وقل يا عين للنـاس أعيـن
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتـي هـي أحسـن
وقوله أيضًا رحمه الله تعالى:
عفُّوا تعفُّ نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يلـيق بمسـلم
إن الزنا ديـن فإن أقرضـته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكًا حرم الرجال وقاطعًا *** سبل المودة عـشت غير مكرم
لو كنت حرًّا من سلالة ماجد *** ما كنت هتاكًا لحـرمـة مسلم
من يَزنِ يُزنَ به ولو بجداره *** إن كنت يا هـذا لبيبًا فافهـم
من يَزنِ في قوم بألفي درهم *** يُزن في أهل بيته ولو بالدرهم
فكن لبيبًا وكن عفيفًا، وقبل هذا وذاك كن رجلا على قدر المسئولية، وارحم من في الأرض حتى يرحمك من في السماء، واخشَ على أهل بيتك وذريتك أن يأتيك العقاب فيهم، وتذكر يوم العرض على الله يوم تقتص الشاة الجلحاء (التي لا قرون لها) من الشاة القرناء (التي لها قرون)، واعلم أن هذا الطفل الضعيف الذي لا قوة له سيقتص منك يوم القيامة وستندم أشد الندم، وحينها لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
وأسألُ الله تعالى أن يرقق قلوبنا، ويرزقنا الرحمة بخلقه، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منها، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.