أخشى على طفلي من صيام رمضان.. ما الحل؟!

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتورة، أنا أم لطفل يبلغ من العمر ٨ سنوات، أكتب إليك لأستشيرك في مسألة تؤرقني كثيرًا مع اقتراب شهر رمضان المبارك. ابني طفل ذكي ومجتهد في دراسته، لكنه عنيد بعض الشيء، ويريد صيام الشهر كاملًا مثل والده وأخيه الأكبر، أخشى عليه من الصيام، خاصة أنه ضعيف البنية، ويحتاج إلى الغذاء ليستطيع التركيز في دراسته، فمدرسته لا تمنحهم أجازة خلال الشهر الكريم. حاولت إقناعه بالصيام التدريجي، لكنه يرفض بشدة، بل إنه يغضب إذا عرضت عليه الإفطار، ويشعر بالإحباط إذا لم يستطع إكمال يوم الصيام. أخشى أن يؤثر ذلك على نفسيته، أو يجعله ينظر إلى نفسه نظرة سلبية إذا لم يستطع تحقيق هدفه، كما أنني قلقة بشأن أدائه الدراسي، فقد لاحظت العام الماضي أنه كان أكثر تعبًا وأقل تركيزًا خلال رمضان. فكيف أتعامل مع هذه المشكلة؟ كيف أوازن بين تعليمه الصيام، والحفاظ على صحته وأدائه الدراسي؟ وما الطريقة المثلى لغرس حب الصيام فيه دون أن يشعر بالضغط أو الفشل؟ جزاكِ الله خيرًا، وأنتظر نصيحتك بفارغ الصبر.</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أختي الفاضلة، شكرًا لثقتك وحرصك على تنشئة ابنك تنشئة صحيحة تتماشى مع القيم الإسلامية، وهذا بحد ذاته دليل على وعيك التربوي.

 

المشكلة التي طرحتها شائعة بين الأمهات، وهي نابعة من حبك وخوفك عليه، ولكن دعيني أطمئنك أن هناك منهجية متوازنة يمكنك اتباعها لتحقيق الغايتين معًا: تعليمه الصيام، والحفاظ على صحته وأدائه الدراسي.

 

أولًا: لا بد من فهم طبيعة الطفل في هذه المرحلة العمرية..

 

في هذا العمر، يمر الطفل بمرحلة من  (Autonomy vs. Shame and Doubt) لنظرية "إريك إريكسون" في النمو النفسي والاجتماعي، حيث يسعى إلى إثبات استقلاليته وقدرته على تحمل المسؤولية.

 

رفض ابنك للصيام التدريجي نابع من رغبته في تقليد الكبار والشعور بالفخر بإنجازه، وليس مجرد عناد كما يبدو لك.. لذا، من المهم أن تدعمي شعوره بالإنجاز دون أن تُعرضي صحته للخطر.

 

ثانيًا: التدرج في الصيام لا بد أن يكون بحكمة..

 

يمكنك استخدام أسلوب (Shaping Technique) في علم النفس السلوكي، وهو التدرج في تحقيق الهدف عبر مراحل صغيرة، مع تعزيز كل تقدم يُحرزه. مثلًا:

 

- تحديد أهداف صغيرة.. فدعيه يصوم حتى الظهر في الأيام الدراسية، ثم يزيد المدة تدريجيًّا في العطلات.

 

- التشجيع بمدح الإنجاز بدلًا من التركيز على الإخفاق.. كأن تقولي له: "أنت رائع لأنك صمت خمس ساعات اليوم!"، بدلًا من: "لم تستطع الصيام للنهاية".

 

 - تحفيزه بالمكافآت المعنوية.. كمدحه أمام الأسرة، أو السماح له بالمشاركة في تحضير وجبة الإفطار.

 

ثالثًا: ومن المهم جدًّا تنظيم جدوله الدراسي وطاقته البدنية..

 

فمن الضروري الحفاظ على طاقة الولد أثناء اليوم؛ لذا أنصحك بالتالي:

 

1- تقديم وجبة سحور غنية بالبروتينات والكربوهيدرات المعقدة (مثل الشوفان، والبيض، والتمر) لتزويده بطاقة تدوم لفترة أطول.. وتقليل السكريات والمشروبات الغازية التي تؤدي إلى انخفاض سريع في الطاقة.

 

2- تنظيم وقت المذاكرة بعد الإفطار؛ لأن التركيز يكون أعلى بعد تناول الطعام.

 

رابعًا: المعالجة النفسية لشعوره بالإحباط..

 

إذا فشل طفلك في إتمام الصيام، فلا تجعليه يشعر بالإثم، بل استخدمي أسلوب (Cognitive Reframing)، أي إعادة تأطير الفكرة بطريقة إيجابية، قولي له:

 

"الله يحب العبد الذي يجتهد، وليس العبرة بعدد الساعات بل بالإخلاص في العبادة.. وكل صيامك اليوم مأجور عليه."

 

قال الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين": "إن التربية الحقيقية هي غرس حب الطاعة في النفس، لا إرغامها عليها". لذا، اجعلي الأمر ممتعًا له، وليس اختبارًا للصبر فقط.

 

يمكنك الاستشهاد بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، وهذا تأكيد على أن الله لا يفرض على العباد ما يعجزون عنه.

 

كما قال النبي ﷺ: "إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا"، وهذا يدل على أن التيسير مطلوب، ولا حرج في تدرجه في الصيام..

 

فيمكنك أن تشرحي له أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو تدريب على الصبر، والمهم هو النية والمحاولة وليس الإنجاز المطلق، فالصيام يهذب أنفسنا، فحين نستطيع أن نمتنع عن الطعام والشراب الذي أحله الله تعالى لعباده، فنستطيع إذًا أن نمتنع عن المحرمات بسهولة بعون الله تعالى.

 

* همسة أخيرة للأم الفاضلة:

 

أطمئنك أن صغيرك، بمرور الوقت، سيتعلم التوازن بنفسه بين الصيام والدراسة، وكل ما يحتاج إليه هو التوجيه الحكيم وليس الإجبار.

 

كوني له الدعم النفسي، وأشعريه بأنك تفخرين بمحاولاته لا بقدرته على إكمال الصيام فقط. وبهذا، سينشأ وهو محب للصيام وليس خائفًا منه.

 

أسأل الله أن يجعله قرة عين لك، وأن يبارك لك في صحتك ووقتك. وإذا احتجتِ لأي استشارة أخرى، فسوف تجدينني معك إن شاء الله تعالى.