كيف نعرف الله؟ رحلة قلبية وعقلية

<p>كيف نعرف الله ؟</p>

أخي الحبيب، ما أجمل سؤالك، وهو –على بساطته واختصاره- سؤال عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.

 

إن الغاية العظمى والهدف الأسمى في هذه الحياة، أن نعرف الله فنحبه، ونعبده عن يقين، ونسير إليه بصدق. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة لا تكون على وجهها الصحيح إلا بمعرفة الله حق المعرفة.

 

إن معرفة الله ليست مجرد معلومات تُحفظ أو حقائق تُقال، بل هي نور يملأ القلب، وسكينة تُسكَب في الروح، وطريق نسير فيه بأقدام الحب والخشية والرجاء.

 

وسأحاول -مستعينًا بالله- أن أرسم لك بعض المعالم التي تقودك إلى معرفة الله، لعلها تكون لك زادًا في رحلتك المباركة.

 

أولًا- معرفة الله من خلال أسمائه وصفاته

 

إن من أعظم طرق معرفة الله، التأمل في أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهي مرآة تعكس لنا عظمة الخالق. يقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].

 

فكل اسم من أسماء الله يحمل سرًّا عظيمًا، على سبيل المثال:

 

* عندما ترى لطف الله في حياتك، تذكر أنه اللطيف.

 

* عندما تستشعر مغفرة الله لك بعد زلَّتك، تذكر أنه الغفور الرحيم.

 

* عندما تنظر إلى بديع خلقه، تأمل أنه الخالق البارئ المصوِّر.

 

تأمل في هذه الأسماء، وردِّدها في دعائك، واستشعر معانيها في حياتك، وستجد قلبك يقترب من الله أكثر فأكثر.

 

ثانيًا- معرفة الله من خلال آياته في الكون:

 

إن الكون كتاب مفتوح يبوح بأسرار عظمة الله، فكل ذرة فيه تنطق بقدرته. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَٰتٍ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ﴾ [آل عمران: 190].

 

تأمل في النجوم المنتثرة في السماء، كيف لا تصطدم بعضها ببعض! تأمل في قلبك الذي ينبض دون أن تتحكم فيه، من الذي يُبقيه حيًّا؟ تأمل في الطفل الصغير، كيف تكوَّن من نطفة، ومن الذي أمدَّه بالحياة؟

 

إنها دعوة للتدبر، فكل شيء حولك يهمس لك: الله موجود، الله قريب، الله عظيم!

 

ثالثًا- معرفة الله من خلال كلامه (القرآن الكريم):

 

لا يوجد كتاب على وجه الأرض يعرفك بالله مثل القرآن. إنه كلامه المباشر إليك، رسالة حب ورحمة وهداية. يقول الله تعالى: ﴿هَٰذَا بَيَانٌۭ لِّلنَّاسِ وَهُدًۭى وَمَوْعِظَةٌۭ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 138].

 

عندما تقرأ القرآن، لا تقرأه كلمات تمر بها سريعًا، بل عِش مع كل آية، وتساءل:

 

* ماذا يريد الله أن يخبرني هنا؟

 

* كيف أرى الله في هذه الآية؟

 

عندما تقرأ: ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، استشعر رحمته سبحانه، وعظمته، وقربه، ولطفه.

 

عندما تقرأ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]، أدرك أن الله أقرب إليك من نفسك.

 

اجعل لك وردًا يوميًّا من القرآن، وتدبره، فهو طريق عظيم لمعرفته سبحانه.

 

رابعًا- معرفة الله من خلال التجربة الشخصية:

 

إن معرفة الله ليست نظرية فقط؛ بل هي تجربة تُعاش. اقترب من الله، وستجده أقرب إليك مما تتصور. يقول الله –عز وجل- في الحديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» [رواه البخاري].

 

* جرِّب أن تناجيه في سجودك، واطرح عليه همومك.

 

* جرِّب أن تدعوه بإلحاح، وانتظر كيف يستجيب لك بطرق لم تتوقعها.

 

* جرِّب أن تترك ذنبًا لأجله، وستشعر بنور يملأ قلبك.

 

كلما زادت معاملتك مع الله، زادت معرفتك به، تمامًا كما تتعرف على صديق بقضاء الوقت معه. ولله المثل الأعلى.

 

أخي الكريم، إن معرفة الله رحلة لا تنتهي، فهي تزيد كلما تعمقت، وكلما ازداد حبك له. وكلما اقتربت منه، ازداد نور قلبك، وسكنت روحك، ووجدت طمأنينة لا يعادلها شيء.

اجعل لك وردًا يوميًّا من التفكر، والذِّكر، وقراءة القرآن، وستجد أن الله يكشف لك من أنواره ومعرفته ما لا يخطر لك على بال.

 

أسأل الله أن يجعل قلبك عامرًا بمعرفته، وأن يذيقك حلاوة القرب منه، وأن يفتح لك من أبواب هدايته ما تقر به عينك. آمين.