عندما يهمس الشيطان.. كيفية اكتساب المناعة الإيمانية

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ، أنا عندي سؤال بخصوص الآية: &quot;وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ&quot; (الإسراء: 64)، هل المقصود بـ&quot;صوت إبليس&quot; إنه ليه صوت حقيقي؟ ولا المعنى المقصود هو الوساوس اللي بتيجي لنا في شكل خوف، قلق، شك، أو حتى إحساس بالحزن والاكتئاب بدون سبب؟ ولو الواحد حس بوساوس زي دي، إيه الطريقة الصح في الدين اللي يقدر بيها يطردها ومايخليش الشيطان يسيطر عليه؟ وهل فعلاً كل المخاوف والشكوك دي ممكن تكون من تأثير الشيطان؟ بارك الله فيكم، وجزاكم كل خير.</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي الكريم، وأسأل الله أن يبارك فيك ويزيدك حرصًا على فهم كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبعد...

 

فسؤالك عميق، ويمس جانبًا حساسًا في حياة كل مؤمن؛ لأننا جميعًا معرضون للوساوس والمخاوف والشكوك، وهذا من طبيعة الجهاد النفسي الذي يعيشه الإنسان في دنياه.

 

والشيطان -كما أخبرنا الله- عدو مبين لا يكلُّ ولا يملُّ من محاولاته لإضلال بني آدم. لذا، فإن فهم كيفية عمله وكيفية مواجهته هو جزء أساسي من ثبات المؤمن على الحق.

 

أما عن قوله تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)، فهذه الآية من سورة الإسراء جاءت في سياق خطاب الله -تعالى- لإبليس بعد أن طرده من رحمته بسبب تكبره، وفيها تحدٍّ صريح لإبليس، حيث أذن الله له بمحاولة إغواء بني آدم، ولكن مع تأكيد أن عباده المخلصين لن يستطيع الشيطان السيطرة عليهم.

 

أما عن معنى (بِصَوْتِكَ)، فقد فسَّرها العلماء بعدة معانٍ، منها:

 

1- أن المقصود به الغناء والمعازف، وكل صوت يؤدي إلى الفتنة والمعصية، كما قال بعض السلف؛ لأن الشيطان يستخدم اللهو والغناء المحرم ليشغل القلوب عن ذكر الله.

 

2- أن المقصود به الوساوس والإيحاءات الشيطانية التي يلقيها في قلوب الناس، سواء على شكل: خوف، قلق، حزن، وساوس في العقيدة، أو الشك في رحمة الله.

 

3- أن يكون الصوت هنا مجازيًّا يشمل كل وسيلة يستخدمها الشيطان لإضلال الإنسان، سواء بالكلام المباشر عن طريق أوليائه من البشر، أو بالإيحاءات النفسية الداخلية.

 

وأما عن سؤالك: هل الوساوس والمخاوف والشكوك كلها من الشيطان؟ فليس بالضرورة أن تكون كل المخاوف والشكوك من الشيطان؛ لكن الشيطان يستغلها ليُضعف الإنسان ويجعله أسيرًا لها. فالخوف الطبيعي هو غريزة لحفظ النفس، والقلق أحيانًا يكون دافعًا للإنجاز، لكن عندما يتحول الخوف إلى وساوس مستمرة تعوق الإنسان عن الحياة، أو تتحول الشكوك إلى حالة من عدم الثقة بالله، أو الحزن إلى يأس وانقطاع، فهنا يتدخل الشيطان ليزيدها اشتعالًا ويمنع الإنسان من إيجاد الحل.

 

وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدمَ مَجرى الدَّمِ» [رواه مسلم]، وهذا يدل على مدى تمكنه من التسلل إلى النفس البشرية.

 

كيف نواجه وساوس الشيطان ونتغلب عليها؟

 

1- الاستعاذة بالله:

 

قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 200]. فكلما شعرت بوسوسة، بادر بالاستعاذة بالله بصدق، وستجد أثرها في تهدئة قلبك.

 

2- الإكثار من ذكر الله:

 

الشيطان لا يستطيع الاقتراب من قلب عامر بذكر الله، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. لذلك، احرص على الأذكار اليومية وأذكار الأحوال، وخصوصًا أذكار الصباح والمساء.

 

3- عدم الاسترسال مع الوساوس:

 

النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا في حديث صحيح إلى أن الوساوس الشيطانية قد تصل إلى أن يوسوَس للإنسان في أصل الإيمان: «يأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حتَّى يَقُولَ له: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ، فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ» [رواه البخاري]. أي لا تسترسل معها، ولا تحاول البحث عن إجابات لكل وسوسة، بل تجاهلها تمامًا.

 

4- تقوية اليقين بالله:

 

اقرأ في أسماء الله الحسنى وصفاته، وتدبر في أفعال الله في الكون؛ لأن الشيطان يهاجمك في نقطة ضعفك، فإن كنت تخاف من المستقبل، فزد ثقتك بأن الله هو الرزاق. وإن كنت تشك في رحمة الله، فاقرأ آيات الرحمة.

 

5- حسن الظن بالله:

 

لا تجعل الشيطان يقنعك بأنك ضعيف أو أن الله لن يعينك؛ بل كن دائمًا على يقين بأن الله معك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ» [رواه ابن حبان].

 

6- الرفقة الصالحة:

 

احرص على صحبة مَن يذكِّرك بالله؛ لأن الشيطان يسيطر على الإنسان عندما يكون وحده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنَّما يأكلُ الذئبُ منَ الغنمِ القاصيةَ» [رواه أبو داود].

 

وختامًا -أخي الكريم- تذكَّر أن الشيطان لا سلطان له على المؤمن القوي بربه، وإنما تأثيره يكون على من يفتح له الباب. فكلما زدتَ إيمانًا وذكرًا لله، ضعفت وساوسه لك. قال الله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].

 

أسأل الله أن يثبت قلبك وقلب كل مسلم على الإيمان، وأن يرزقك الطمأنينة، ويبعد عنك وساوس الشيطان، إنه سميع قريب مجيب.