يبحث عن السكن في زواج المسيار.. كالمستجير من الرمضاء بالنار

<p>أنا متزوج وعندي أسرة مستقرة، بس بفكر أتجوز بالسر عشان ما أسبب أي ضرر لزوجتي وأولادي. حاسس إنه هالحل ممكن يكون مناسب لإشباع احتياجاتي العاطفية بدون ما يأثر على استقرار بيتي، خصوصًا إنه زواج المسيار ما بيتطلب مني مسؤوليات كبيرة. بنفس الوقت، خايف يكون لهالقرار تبعات ما كنت حاسب حسابها، وتنعكس سلبًا على عيلتي ومستقبل أولادي. برأيك، هل زواج المسيار فعلاً حل آمن ومنصف، ولا ممكن يزيد المشاكل بدل ما يحلها؟ وكيف ممكن آخد قرار يكون عادل وما يظلم حدا؟</p>

أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم على البوابة الإلكترونية للاستشارات..

 

أنت يا أخي الفاضل تريد قرارًا عادلاً لا يظلم أحدًا، ونحن لدينا في هذه القضية أربعة أطراف:

 

الأول: هو أنت يا أخي الفاضل.. أنت صاحب القرار، وأنت صاحب الأسرة المستقرة، وأنت من يعاني من عدم إشباع احتياجاته العاطفية، لذلك فكرت أن تتزوج زواج مسيار (بلا مسئوليات، وغالبًا تقصد أن يكون في السر حتى لا يصل الأمر لزوجتك وأسرتك).

 

الثاني: هو زوجتك وأنت لم تتحدث عنها كثيرًا لا سلبًا ولا إيجابًا، ولكن ذكرت أن أسرتك مستقرة، وهذا يعني أنها زوجة هادئة مطيعة تهتم ببيتك وأطفالك ولكن يبدو أنها لا تُشبع احتياجاتك العاطفية.

 

الثالث: هو الزوجة الثانية المستقبلية، وهي امرأة صاحبة ظروف خاصة تجعلها تقبل التنازل عن كثير من حقوقها.. ولا أقصد حقها في النفقة والمبيت والخروج معك في العلن ونحو ذلك، وإنما حقها في السكن الذي يحققه الزواج، فهي لن يتبقى لها إلا الإعفاف وبشكل لن يحقق لها الإشباع العاطفي أو النفسي، ولست أدري هل سوف تتنازل عن حقها في الإنجاب أيضًا أم لا؟

 

الرابع: أولادك، ويبدو لي من رسالتك أنك من هذه النوعية من الرجال الذين يقدرون قيمة الأسرة ويهتمون جدًّا بأولادهم (بعض الرجال لا يهتمون إلا باحتياجاتهم الشخصية)، ويبدو أنك في قرارة نفسك تشعر أن علم أولادك بزواجك سيقلل من نظرتهم لك أو قد يحرجهم في الوسط الاجتماعي الذي تعيشون فيه.

 

والسؤال المركزي: كيف يمكن أن نتخذ قرارًا عادلاً لا يظلم أي طرف من هؤلاء الأطراف الأربعة؟

ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال دعنا نحدد المقصود بزواج المسيار الذي يدخل في دائرة العقود الصحيحة والمباحة في الشريعة الإسلامية: هو عقد استوفى الشروط المعتبرة شرعًا كالولي ورضا الزوجين وحضور شاهدين عدلين، وألا يطلب من الزوجين والولي أو الشهود الكتمان.. وألا يكون زواجًا لمدة محددة بالتأكيد.

 

وفي زواج المسيار تتنازل المرأة عن بعض حقوقها (معظم الحقوق) كالقسمة أو المبيت أو النفقة، وكثير من العلماء الذين أجازوه توقفوا عن ذلك لفساد التطبيق كاشتراط السرية مثلا.

 

وقد منعه الشيخ الألباني، حيث أوضح علة المنع في سببين:

 

الأول: أن المقصود من النكاح هو "السكن" كما قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، وهذا الزواج لا يتحقق فيه هذا الأمر.

 

الثاني: أنه قد يقدَّر للزوج أولاد من هذه المرأة، وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها سينعكس ذلك سلبًا على أولاده في تربيتهم وخلقهم.

 

دعنا الآن يا أخي نأخذ برأي من أباحه بالشروط التي ذكرتها لك، وأرجو أن تنتبه لها جيدًا، فعدم كتمان الزوجة أو الولي أو الشهود سيعني أن هناك احتمالاً أن يتسرب أمر الزواج لزوجتك وأولادك وعائلتك.

 

وأيضا يا أخي الكريم هناك سؤال بالغ الأهمية عليك أن تسأله لنفسك جيدًا وتجيب عليه بصدق، والله سبحانه وتعالى هو المطلع على القلوب.. هل تريد هذا الزواج لفترة محددة فقط؟ السؤال بصيغة أخرى؟ هل تنتوي الطلاق بعد ذلك خاصة لو علمت أسرتك؟ هذا السؤال مهم جدًّا في شرعية هذا الزواج فلا يكون زواج متعة أو زواجًا بنية الطلاق.

 

الآن دعني أوضح لك كيف يمكن أن تكون عادلاً مع الأطراف الأربعة في استشارتك.

 

أنت والإشباع العاطفي

 

يا أخي الكريم، يبدو أن هناك خللاً في العلاقة الخاصة بينك وبين زوجتك وإلا ما فكرت في زواج المسيار، فزواج المسيار لا يحقق الإشباع العاطفي ولا السكن أو كما يقول الشيخ الألباني في أحد دروسه الصوتية: (نكاح شرعي لكن المعاملة هي معاملة متعة)، وقال في موضع آخر: "ليس هو الزواج الذي أشار الله - عز وجل - إلى حكمته في الآية السابقة: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، كيف يسكن إليها وبينهما بُعد المشرقين ثم لا يأتيها إلا لقضاء وطره منها؟".

 

إذن نسمي الأمور بمسمياتها، أنت تعاني في علاقتك الزوجية ولا تشعر بالإشباع فيها، وهذا الأمر ليس له إلا حل من اثنين:

 

الحل الأول: أن تجتهد لتحسين التواصل مع زوجتك، والرجل هو قائد البيت لا في النفقة أو القرارات فقط، وإنما هو قائد المشاعر والأحاسيس أيضًا.. أنت بحاجة للحديث مع زوجتك لمعرفة أين الخلل.. فقد تكون مضغوطة مطحنونة بسبب إدارة البيت ورعاية الأطفال الصغار، فلا تهرب من الحلول الحقيقية وتبحث عن حل يفاقم الأمور ويزيدها سوءًا.

 

الحل الثاني: أن تكون قد بذلت جهدك بالفعل (وأنت الأدرى بنفسك) ولكن هي لا تستجيب لك.. أو تكون الزوجة مريضة مرضًا مزمنًا يعيق حياتكما الزوجية وأنت تعاني وتخشى على نفسك من الوقوع فيما حرم الله، وهنا أنصحك أن تمتلك شجاعة المواجهة وشجاعة السلوك وتتزوج زواجًا شرعيًّا طبيعيًّا يحقق لك السكن والإشباع.. أما إن كنت تخشى أن تهدم أسرتك في حال زواجك وكان الأمر ملحًا عليك (وليس رغبة في التجديد أو مزيدًا من المتعة) فهنا تزوج زواج المسيار بالشروط التي ذكرتها لك، ولكن عليك أن تهيئ نفسك أنه من الوارد أن ينكشف أمر هذا الزواج لدى زوجتك فيحدث ما كنت تخشاه من الزواج الشرعي الطبيعي.

 

الزوجة الأولى

 

لا أطالبك إلا أن تكون عادلاً معها.. عادلاً في تقييمها.. عادلاً في تقييم جهدها سواء معك أو في البيت أو مع الأولاد.. وإن استطعت أن تكون رحيمًا فأنت أنت!.. لا توجد امرأة تحب زوجها أو تهتم به تحب أن يتزوج عليها هكذا فطر الله المرأة، ولا أكون مبالغة إن قلت لك إن هذا الزواج يوجعها بأكثر مما تتصور بكثير، وبالتأكيد ليس جميع النساء سواء، فهناك من تستطيع الصبر وتحكيم العقل، وهناك من تتلبسها حالة تشبه الجنون، وأنت أدرى بزوجتك.. ويمكنك أن تجعل زوجتك تكتب لنا بما تعانيه فربما ألهمناها أفكارًا تساعدها.

 

أناشدك لأجل هذه الزوجة التي منحتك الاستقرار أن تبذل جهدك مرة أخرى لإصلاح العلاقة بينكما، وإن كانت النتيجة ليست على ما يرام سجّل موقفًا (ولكن لا تكن متعنتًا لأجل تسجيل مواقف).. يمكنك البدء بالتمهيد لها مع كل موقف حتى لا تصدم عندما تعلم بزواجك الثاني بعد ذلك، ويمكن مع تعدد المواقف التي تخذلك فيها أن تقبل هي وتطالبك بالزواج الثاني حتى تتخلص من هذا الضغط.

 

الزوجة الثانية

 

حقيقة أشفق جدًّا على الزوجة الثانية في زواج المسيار ولا أتصورها إلا امرأة بائسة حقًّا.. امرأة على حافة اليأس.. امرأة فقدت الحق في الحياة الكريمة التي يكفلها لها الزواج الشرعي الطبيعي.. امرأة ستفتقد السكن حتمًا وستظل تشعر أنها نصف امرأة أو أقل.. امرأة تبدو راضية وتعلن للعالم كله أنها راضية وربما تضحك وتفتعل السعادة إلا أنها وفي قرارة قلبها وروحها بائسة موجوعة.. ربما لا يعنيك هذا كله ويكفيك أنها قالت إنها راضية ولن تبذل جهدًا في فهم ما وراء هذا الرضا.. ربما لا يعنيك إلا أنها ستحقق لك الإشباع الذي تفتقده أو التجديد الذي تبحث عنه أو ستحقق لك مغامرة في الحلال، ولكنها يا أخي الكريم لن تحقق لك الإشباع العاطفي والنفسي أبدًا، فلا سكن أبدا مع هكذا امرأة في الظل.

 

إن كنت حقًّا بحاجة لهذا الزواج فليكن في النور.. زوجة شرعية ثانية لها نفس الحقوق الشرعية التي للزوجة الأولى، وإن تنازلت لك عن حق فلا يكون تنازلاً بالجملة عن كل الحقوق.

 

وانتبه فقد يحدث حمل فماذا أنت فاعل؟ هل ستمنعها من حقها في الإنجاب أيضا؟ أظنك بحاجة لفتوى شرعية في هذا الأمر أليس كذلك؟

 

وإن حدث وأنجبت فهل ستخفي أولادك أيضا؟ ألن يعرف الإخوة إخوتهم؟ فكّر مرتين قبل أن تقرر.

 

أولادك

 

أخي الفاضل كما قلت لك من قبل.. أنت رجل يحترم أولاده ويراعي مشاعرهم وأحوالهم النفسية بل ويراعي الظروف المجتمعية التي يعيشها ويعيشها أولاده.

 

رغم الألم وربما بعض الصدمة التي يعيشها الأولاد عندما يتزوج والدهم خاصة لو أن الوالدة قامت بتشويه صورته أمامهم، فإنه وبمرور بعض الوقت وحرص الأب على العدل ومع الخطاب الديني سوف ينجح غالبا في استعادة زمام الأمور، لكن عندما يكتشف الأولاد أن والدهم متزوج في السر وأنه لم يمتلك شجاعة الإعلان سوف ينظرون له نظرة لن تروقه.. حتى لو أعلن أنه فعل ذلك بدافع الحفاظ عليهم وعلى مشاعرهم النفسية سيكون ذلك إدانة له أكثر كونه يعلم أن هذا الزواج يؤذيهم وفعله.. المسألة معقدة وليست سهلة خاصة مع الفتيات ولا يصلح فيها الوعظ والنصح المباشر.

 

المجتمع ينظر للزواج الثاني نظرة تشبه الاحتقار وبالتالي الأولاد يشعرون بالوصمة في المجتمع، وحتى يستطيع الأولاد تحدي نظرة المجتمع لا بد لهم من الاقتناع بما قام به والدهم أو على الأقل الاقتناع أنه ليس فيه ما يشين، وأن والدهم تزوج بدافع أخلاقي لأن بديل الزواج هو الفاحشة والعياذ بالله.

 

إذا كان المجتمع كله بحاجة لعلاج معرفي حتى يحدث تغير في المفاهيم وهو أمر لا تمتلكه أنت بالتأكيد إلا أنك تمتلك أدوات الحوار والتواصل مع أولادك، فلا بد من أن يفهموا أن هذا الزواج الثاني مشروع أباحه الله لحكمة، ولا بد من الخطاب الديني حتى يصل الأمر لعقولهم الصغيرة.. أما إن تزوجت بالسر ثم عرفوا فإن صدمتهم ستكون فادحة حقًّا، فضع هذا في خلفيات اتخاذ القرار.

 

فكّر أيضًا في أولادك من الزوجة الثانية.. ماذا ستقول لهم؟ وماذا ستفعل معهم؟ وكيف ستكون العلاقة بينهم وبين إخوتهم؟.. أجب عن كل هذه التساؤلات وفكّر كثيرًا، ثم صلِّ صلاة الاستخارة، والله يكتب لك الخير ويلهمك الصواب، وتابعنا بأخبارك.