الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : تاريخ وحضارة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
19 - رقم الاستشارة : 2071
25/05/2025
تنوعت إسهامات الحضارة الإسلامية في المجالات المختلفة، فلسفية وعلمية وبيئية، فماذا قدمت الحضارة الإسلامية في علم الصيدلة؟
الحقيقة أن مثل هذه الموضوعات تعيد تذكيرنا بحضارتنا وإسهاماتنا في الحضارة الإنسانية؛ فالحضارة مثل النهر الكبير الذي تصب فيها روافد متعددة، وكان للمسلمين نصيب وافر في إثراء تلك الحضارة في العلوم المختلفة ومن بينها علم الصيدلة.
في البداية ومع مطلع القرن الماضي وتحديدًا في العام 1910م أصدر "إيه سي ووتون" A. C. Wooton كتابه "معضلات الصيدلة"، واعترف بفضل العرب في هذا العلم، فقال: "والعرب هم الذين رفعوا الصيدلة إلى مقامها الجديرة به".
لعل أهم ما يميز الحضارة الإسلامية هو اعترافها بجهود الآخرين، وحفظها لها وإثباتها إليهم، ثم الإضافة عليها، دون أن بخس الناس حقوقهم وسبقهم وفضلهم.
وقد عُرفت الصيدلة بأسماء كثيرة، منها علم الأدوية والعقاقير وعلم الإقرباذيين (وهي لفظة يونانية تعني دستور الأدوية)، لكن العرب هم أول من أطلق عليها علم الصيدلة، وبقي هذا الاستخدام حتى الآن.
أما ما يتعلق بإسهامات المسلمين في علم الصيدلة، فترجع البدايات إلى الدولة الأموية، لكن الإسهام الأكبر جاء مع الدولة العباسية، فلا نجد منذ تلك الفترة كتابًا في الطب أبدعه كبار الأطباء المسلمين والعرب إلا وخصصوا فيه قسمًا للأدوية المفردة أو المركبة ذاكرًا فوائدها وقوتها العلاجية.
ومن أوائل الصيادلة "عيسى بن ماسة"، وهو من أطباء بغداد المميزين في القرن الثالث الهجري، قال عنه إسحاق بن الرهاوي في كتابه "أدب الطبيب": إنه "كان صيدلانيًّا بارعًا، وله وصفات كثيرة، وهو أول مَن اخترع المكمدات".
وبلغ من تقدم العباسيين في علم الصيدلة، أن الخليفة هارون الرشيد أرسل عام (807م) إلى الملك "شارلمان" هدايا منها: البلاسم والمراهم والأدوية والعقاقير المختلفة، ثم أصدر أمره "الرشيد" بعد ذلك إلى الطبيب "سابور بن سهل" (ت: 255 هـ / 869 م) لوضع دستور للأدوية والمادة الطبية سمَّاه "كرابادن" التي جاءت منها كلمة أقرباذين، كما وضع قانونًا لمراقبة أصناف الأدوية وأثمانها مراقبةً شديدة.
وكان "سابور" عالمًا صيدليًّا فاضلًا درس جميع الأدوية المفردة وتركيبها، وحوى مؤلَّفُه كربادن سبعة عشر بابًا كانت المرجع الوحيد في ذلك الوقت في جميع مستشفيات الحكومة والصيدليات.
ذكر ابن النديم في كتابه "الفهرست" كتابا آخر لـ"سابور" في الصيدلة، هو " قوى الأطعمة ومضارها ومنافعها".
وهنا أيضًا يوحنا بن ماسيويه (ت:857م) الصيدلي البارع الذي ألَّف كتابَي "البرهان والبصيرة"، "الأدوية المسهلة".
وأنشئت المدارس لتعليم الصيدلة في بغداد والبصرة ودمشق والقاهرة والأندلس وطليطلة، وأنشئت كذلك الصيدليات في البيمارستانات (المستشفيات)، وكانت هذه الصيدليات مملوءة بأنواع الأدوية والأشربة والمعاجين وموضوعة في آنية مرتبة وكانت تقدم للمرضى مجانًا في أغلب الأحيان.
ومن إسهامات العرب في الصيدلة:
* وضع قواعد ممارسة مهنة الصيدلة: مثل: اشتراط كتابة الطبيب لتذكرة طبية مكتوب عليها الأدوية سميت في الشام (الدستور) وفي بلاد المغرب (النسخة) وفي العراق (الوصفة)، كما سنوا تشريعات تضمن مراقبة الصيدليات والأدوية المتداولة، حيث خضعت لرقابة المحتسب، وتم تسعير الدواء، وحظر بيع السموم والعقاقير الضارة.
* العناية بالصيدلة الكيماوية والنباتية: فتم إدخال الكثير من الأدوية والعقاقير الكيماوية والنباتية في العلاجات؛ وهو ما أدى إلى تحسين طعم الدواء وسرعة ذوبانه، وتغليف الأدوية وطلائها بالورق، وأدخلوا نباتات جديدة في العلاجات نظرًا لجهود الصيادلة العرب والعشابين في البحث في الصحاري والوديان عما هو يفيد في العلاج والشفاء.
* اعتماد التجربة: كانت مسألة إجراء التجارب على الأدوية قبل استخدامها مما ميز الحضارة الإسلامية، ولعل من أبرز من قام بدور في هذا المجال هو "ابن البيطار" الذي يعد من أعظم صيادلة الإسلام وعشابيهم، فيقول عن تجاربه على الأدوية: "ما صحَّ عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت لدي بالمخبر لا بالخبر أخذتُ به، وما كان مخالفًا في القوى والكيفية والمشاهدة الحسية والماهية للصواب نبذته ولم أعمل به".