22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 308
  • رقم الاستشارة : 749
21/01/2025

السلام عليكم أمتلك حضانة أطفال، وأقوم بإدارتها بنفسي، وعندي مشرفة من المشرفات في منتهى الذوق وأخلاقها عالية جدا وشاطرة في شغلها. ولكن إذا جاءت زميلة جديدة للعمل وشعرت أنها أفضل منها أو منافسة لها لا ترتاح إلا لما هذه الزميلة تترك العمل بطريقة ناعمة. هذه الطريقة هي أنها تصاحب أي زميلة بتيجي وتعمل معها صداقة قوية جدا لدرجة تجعلها لا تستغنى عنها.. وأول ما تشعر بتميز زميلتها تعاملها معاملة سيئة بشكل غير ظاهر. وفجأة تترك الزميلة العمل بدون إبداء أي أسباب. أما زميلاتها اللي أقل منها في المستوى تظل صداقتها لهن ويفضلوا حبايب. اكتشفت الموضوع ده بعد استقالة اثنتين وكانت في الطريق مع الثالثة، بس أنا لحقت الموضوع دون أن ألفت نظرها إني فهمتها. كيف أتصرف مع هذه الشخصية؟ هل ينفع لسلوكها دا تقويم؟؟ وكيف أقوم به؟؟ أم أستغني عنها خالص؟؟ ولكن كيف وهي مش بتسيب عليها غلطة؟؟

الإجابة 21/01/2025

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...

فإن ما تتحدثين عنه –سيدتي الفاضلة– من سلوك لهذه المشرفة، لهو من المشكلات المتكررة في معظم المؤسسات، وخصوصًا المؤسسات الخاصة التي يكون للاجتهاد والتميز فيها أثر كبير في تقييم العاملين وترقيتهم، حيث يحرص كل عامل في المؤسسة على ترسيخ أقدامه وإثبات أنه الأفضل لصاحب المؤسسة، وأنه لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن لأحد أن يحل محله ويقوم مقامه.

وكلما طال الأمد بأحد العاملين في المؤسسة، قوي هذا الحرص عنده، بزيادة شعوره بالانتماء للمؤسسة وأنه جزء منها وهي جزء منه، وزادت حساسيته تجاه أي زميل وافد جديد؛ وخصوصًا إذا أظهر هذا الجديد تميزًا وكفاءة تشعر الأقدم بأن مكانته في المؤسسة وعند صاحب العمل مهددة.

والحقيقة أن هذا الشعور يمثل سلاحًا ذا حدين، يمكن استثماره إيجابيًّا بما يعود بالخير والنفع على الجميع، ويمكن أيضًا –إن لم يتم التعامل معه بشكل صحيح– أن يؤدي لنتائج سلبية كالتي أشرتِ لها سيدتي في سؤالك.

ولعلاج هذا الأمر، وتوجيه هذا الشعور توجيهًا إيجابيًّا، فإن على صاحب المؤسسة دورًا، وكذلك على العامل القديم دور، وعلى الوافد الجديد دور أيضا.

وبما أنك سيدتي صاحبة المؤسسة، فإني أشير عليك بالآتي:

أثنيتِ في سؤالك على المشرفة من حيث أخلاقها وعملها، وهذا يتطلب منك الثناء الدائم عليها، وعلى أخلاقها وعلى عملها، بينك وبينها، وأمام الجميع من الزميلات وأولياء الأمور، ولكن دون مبالغة أو إفراط، فالشعور بالتقدير والثناء حاجة نفسية لكل إنسان، إن حصل عليها ترتفع معنوياته وتزداد دافعيته للالتزام والتجويد، وإن فقدها يشعر بالإحباط وتقل دافعيته للعمل، ويتجه للإهمال.

وهذا لا يمنع المحاسبة على الأخطاء، والتقويم والتنبيه المستمر، حتى لا تشعر أن هذا التقدير تقدير شخصي فقط، وإنما هو أيضًا من أجل حسن الأخلاق وجودة العمل، فيتأكد لديها أن مصلحة العمل هي الأولى بالمراعاة، وأن العلاقات الشخصية لا يجب أن تؤثر على تلك المصلحة، وأنه لا أحد فوق المساءلة والتقويم إن أخطأ.

ولا مانع –إن كان حجم المؤسسة يسمح– أن تضعي درجات وظيفية تسكِّنين عليها المشرفات، بحيث تحظى الأقدم والأفضل بمميزات –ولو شرفية– تشبعها وتعطيها مكانتها، ولا تجعلها تشعر بالغيرة أو المنافسة مع من تحتها في الدرجات، من خلال أسماء كـ«كبيرة المشرفات»، أو «المشرفة الأولى»...إلخ.

كما يجب أن تتحدثي معها بمفردها، وأيضًا مع الجميع في الاجتماعات العامة، مؤكدة على أن تميز أي فرد ونجاحه، إنما يصب في مصلحة الجميع، ولا يستدعي الغيرة السلبية والحسد المذموم، بل يستدعي الغبطة التي تحفز الجميع للتنافس الشريف والابتكار والإبداع، والتعاون فيما بينهن، لتنمو المؤسسة وتكبر ويكبرن هن معها ماديًّا واجتماعيًّا.

كما يجب أن تكون هناك قيم معلنة تظلل المؤسسة، وعلى الجميع الالتزام بها، ويحسن بك كتابة هذه القيم ووضعها في مكان ظاهر بالمؤسسة للتذكرة، على أن تضم هذه القيم قيمًا تساعدك على تحقيق هذا الهدف، مثل: التعاون، توقير الكبير، الرحمة بالصغير، الإيثار... إلخ.

ويحسن بك أن تؤكدي أيضًا على أن الاختلاف بين الناس (لا الخلاف) هو فطرة وطبيعة، وأن هناك فروقًا فردية، وميزات ومواهب، ميز الله بها بعضنا عن بعض، وأننا يجب أن نتقبل هذا، ونستثمره في الصالح العام، وأن مفهوم الإنسان «السوبر» الذي يجيد عمل كل شيء، ولا يفوته شيء، مرفوض، فضلاً عن عدم واقعيته، فلكل منا صفاته المميزة ومواهبه الخاصة.

وهذا يستدعي منك تقديم الدعم المعنوي للجميع عند الإحسان والإجادة، والإشادة بجهد كل واحدة منهن على الملأ، أيًّا كان تاريخ التحاقها بالمؤسسة، أو حتى العمل الذي تقوم به، ولو كانت عاملة النظافة أو الحارسة، فهذا يرسخ عند الجميع أن قيمة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات عميقة عندك، ولا تمييز لأحد بحكم العلاقة أو المكانة، وإنما الحاكم هو الإجادة والكفاءة.

وعندما تأتي مشرفة جديدة، يجب عليك أن تقومي بتعريفها للزميلات الأقدم منها، وتعريفهن لها، وتأكيد مكانة هذه المشرفة القديمة أمامها والثناء على خبرتها، وأنه يمكنها الرجوع لها في المشكلات والطوارئ والاستفادة من خبرتها، مع الطلب من المشرفة القديمة أن تستكشف قدرات الجديدة وتحفزها وتساعدها على إخراجها، وأن هذا لو حدث فإنه يعبر عن حسن إدارتها وتعاونها، ويصب في مكانتها ولا ينقص منها.

حاولي التأكيد دوما على سعادتك بوجود علاقات شخصية طيبة ومتميزة بين المشرفات، بشرط ألا تؤثر هذه العلاقات إلا بالإيجاب على العمل، وألا يكون لأية مشكلات شخصية قد تحدث بينهن تأثير على العمل، وأنه يجب أن تحل هذه المشكلات فورًا في حال حدوثها، وأنك لن تسمحي لهذه المشكلات أن تؤثر على الأداء، وإلا فإنك ستحاسبين جميع الأطراف بحسم.

ويساعد على إشاعة جو صحي في العمل القيام بأنشطة اجتماعية من حين لآخر تجمع كل العاملين بالمؤسسة، كالرحلات والحفلات؛ ففي مثل هذه الأجواء تتقارب القلوب وتتآلف الأرواح ويزول الكثير من الحواجز، وتكون فرصة لحل بعض المشكلات إن وجدت بعيدًا عن ضغط أجواء العمل.

ويفضل –بل أراه ضروريًّا– أن تضعي لائحة إدارية تطبق على الجميع، تبين نظام العمل، ومواعيده، وآدابه، ونظام الثواب والعقاب، والإجازات، والأذونات... إلخ، على أن تعيِّني شخصًا إداريًّا يكون مسؤولا عن تطبيقها بحسم ومتابعة الأمور الإدارية، ولا تقومي أنت بهذا الدور، حتى لا تتعرضي لضغوط أو ابتزاز عاطفي من قبل إحداهن. وإذا حدث فإنك تستطيعين بسهولة التخلص من هذه الضغوط بـ«التحجج» بهذا الشخص الإداري، وعدم قدرتك على التوجيه بمخالفة اللائحة.

وفي هذا الصدد أنصحك بأن تكون مرتبات كل العاملات سرية، لا يعلم بها إلا أنت والمحاسِب فقط –إن وجد– فلا تعلم عاملة من العاملات راتب غيرها، والتنبيه على الجميع بعدم إعلام أحد بما يأخذه من راتب، وأن هذا لو حدث فسيكون العقاب رادعًا، وذلك للقضاء على القيل والقال والغيرة والحسد، فقد تميزين بين اثنتين في الراتب وهما تقومان بالعمل نفسه لسبب معين ترينه، ولا يجب عليك الإعلان عنه.

أما المكافآت فلا مانع –بل من الأفضل– أن تكون معلنة، للتحفيز والتشجيع، مع لفت النظر إلى أن أساليب التحفيز كثيرة جدًّا لا تتوقف على الماديات فقط، ولا يتسع المجال لذكرها الآن.

لا تسمحي أبدا بأية ممارسات غير أخلاقية قد تحاول إحدى العاملات القيام بها من باب التقرب لك، كالوشاية بإحدى الزميلات مثلاً أو الحديث عنها بشكل سلبي في غيبتها أو حضورها، بل كوني دائمًا «أذن خير»، لا تسمع إلا الخير، أو الشكاوى الموضوعية المتجردة من الهوى، والتي يتم التحقيق فيها بشفافية ونزاهة، فتقطعين بذلك الطريق على الوصوليات والنمامات.

حافظي على مسافة واحدة بينك وبين جميع المشرفات في محيط العمل وما يختص به، مع التأكيد على أن العلاقة الشخصية والمودة محفوظة، ولكن لها مجالها بعيدًا عن العمل.

اعلمي أنه رغم ذلك كله، فإن الغيرة من الآخرين فطرة في النفوس، وعليك تقبلها في حدودها، ولا تقفي كثيرًا أمام بعض التلميحات أو الكلمات أو الأفعال السلبية البسيطة التي قد تخرج عفويًّا من إحداهن، واكتفي فقط بإظهار رفضك لها بالامتعاض أو النظرة، أو بابتسامة تعبر عن تفهمك لمشاعر الغيرة الفطرية هذه إن لم تتجاوز الحدود، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع غيرة زوجاته.

إن لاحظت مع ذلك استمرار تلك المشرفة في سلوكها السلبي هذا، فابدئي معها بالتلميح اللطيف لتعرف أنك منتبهة لهذا ولست غافلة عنه، فإن استمرت فلا بد حينئذ من المواجهة المباشرة، وتوجيه اللوم لها، والتأكيد على أن المؤسسة غير موقوفة على أحد، مع تحذيرها من أنك قد تتخذين معها إجراء عقابيًّا إن استمر هذا السلوك، فآخر العلاج الكي كما يقال، حتى وإن وصل الأمر إلى الاستغناء عنها لتنقية أجواء العمل من الآثار السلبية لهذه النفسية.

أسأل الله عز وجل لك التوفيق والتيسير، وأن يفتح لك القلوب ويشرح لك الصدور.