الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : السياسة الشرعية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
287 - رقم الاستشارة : 2100
29/06/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ما موقف الإسلام من الأسلحة النووية، وهل يجوز للمسلمين امتلاك السلاح النووي وهو يدمر كل محلوق على هذه الأرض فلا يبقي بشرًا ولا شجرًا ولا طيرًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالإسلام دين حضاري في سلمه وحربه، ومن ثم لا يجيز أمثال هذه الأسلحة الانتقامية التي تُهلك الحرث والنسل، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا قديمًا في استعمال الحرق في الحروب لكنهم - رضوان الله عليهم - لم يطّلعوا، ولم يكن يخطر ببالهم ولا في الخيال ما تُحدثه هذه الأسلحة من دمار شامل يُهلك الحرث والنسل، ويقتل الأجنة في بطون أمهاتهم، ويقضي على الطير في السماء والسمك في الماء ويلوث البيئة لمدة عقود من الزمان.
لو اطّلع الفقهاء على ما تحدثه هذه الأسلحة من آثار مدمرة ما ترددوا في منعها، لكن يجوز تملكها والوصول إليها من باب الدفاع عن النفس، وعدم استعمالها إلا في حالات الضرورة التي تُقدَّر بقدرها، ولا يجوز استعمالها في جهاد الطلب، ولا يجوز استعمالها ابتداء، ولكن من باب سنة التدافع، ومنع الغير من استعمالها فقط.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في فتوى مطولة ننقل منها:
إن الأسلحة الكيماوية، والأسلحة الجُرثومية أو البيولوجية، والأسلحة النووية، وغيرها مما يُطلق عليه اليوم (أسلحة الدمار الشامل)، التي تقتل الألوف والملايين دفعة واحدة، وتأخذ المسيء والبريء، والمحارب والمسالم، وتُدمِّر الحياة والأحياء، والإنسان والبيئة: هذه الأسلحة يحرُم استخدامها شرعًا في نظر الإسلام؛ لأن الأصل في القانون الإسلامي: أنه لا يُجَوِّز قتل مَن لا يقاتل، ومَن لا عَلاقة له بالحرب، وقد أنكر النبي ﷺ قتل امرأة في إحدى المعارك، ونهى عن قتل النساء والصبيان، ونهى خلفاؤه عن قتل الرهبان والفلاحين والتجار.
فكيف يجيز هذا الدين قتل الجماهير الغفيرة من الناس، ولا ذنب لها، وليس لها في العير ولا في النفير، وليس لها في الحرب ناقة ولا بعير؟
كما نهى الإسلام عن الإفساد في الأرض، وقطع الأشجار، وهدم الأبنية، وتخريب العمران من غير ضرورة؛ لأن هذا من الإفساد الذي حرَّمه الله تعالى، وكره أصحابه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة: 205).
ومع هذا أرى: أن الإسلام يوجب على الأمة المسلمة: أن تمتلك هذه الأسلحة الرادعة، ما دام غيرها يملكها، ويمكن أن يهدِّدها بها.
فإن الأمة إذا لم تمتلك هذه الأسلحة تصبح مهيضة الجناح، مهددة ممَّن يملكها، ولا سيما أن العدو الصهيوني الذي اغتصب أرضها - أرض المقدسات والإسراء والمعراج – وشرّد أهلها منها، وفصل بين مشرق العروبة ومغربها: أمسى من ملاكها والقادرين عليها، والمخوِّفين بها. لا سيما أن في سفر التثنية من التوراة ما يجيز لهم في البلاد القريبة منهم: ألا يبقوا فيها نَسَمَة حية!!
ومن عجب أن تملك أمريكا والدول الكبرى هذه الأسلحة، ثم تحظر على الآخرين أن يملكوها. وتمنع الدول العربية مجتمعة أن تملك قنبلة نووية، وإسرائيل وحدها تملك أكثر من مائتين منها!
• مشروعية استخدامها للضرورة:
ونستطيع أن نستثني من تحريم استخدام هذه الأسلحة مع الأعداء: حالة الضرورة، فإن للضرورات أحكامها، ومن القواعد المتَّفق عليها بين فقهاء الأمة كلِّها: أن الضرورات تبيح المحظورات. وهذا من واقعية الشريعة.
وهنا لا بد من قيود تجب رعايتها:
الأول: أن تتحقَّق الضرورة بالفعل، بأن يصبح المسلمون في خطر يهدِّد كيانهم ووجودهم، ولا سيما إذا كان العدو يملك هذه الأسلحة ويهدِّد المسلمين باستعمالها ضدَّهم. ولا يوجد لديه دين يردعه، ولا خلق يمنعه. فإذا بدت بوادر ذلك: أمكن للمسلمين أن يأخذوا بزمام المبادرة، ويبدؤوا بالضربة القاصمة دفاعًا عن أنفسهم.
ويتحتَّم هنا: أن يكون ذلك في جهاد الدفع لا جهاد الطلب، وجهاد الدفع هو جهاد المقاومة لتحرير الأرض، وطرد العدو الغازي من ربوعها. فهذا الجهاد هو الذي تتحقق فيه الضرورة. أما جهاد الطلب: أن نتبعه نحن في عقر داره، ونحن آمنون في دارنا، فلا حاجة لنا إلى ضربه بهذه الأسلحة التدميرية.
الثاني: ألا نتمادى في رخصة الضرورة ونتوسع فيها، ولكن يجب النظر إليها دائما: أنها استثناء، خفَّف الشارع بها عن المسلمين، دفعًا للحرج عنهم، وتحقيقًا لمبدأ اليسر: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185).
ولهذا وجدنا العلماء قيَّدوا قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) بقاعدة أخرى تضبطها وتكمِّلها، وهي قاعدة: (ما أبيح للضرورة يقدَّر بقدرها).
فإذا كانت الضرورة تحتاج إلى الإباحة في بلد، فلا يجوز أن تتعدَّى إلى غيره، وإذا جازت أن تطبَّق في وقت معين، فلا يجوز أن تطبَّق في وقت آخر، زائد على الوقت المطلوب.
وبمجرد إنهاء المهمة المنوطة بها، تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، ويحظر استعمال هذه الأسلحة.
وطبعا لا يمكن للمسلمين أن يستخدموا هذه الأسلحة - في حالة الضرورة كما ذكرنا - إلا أن يكونوا مالكين لها. وهو ما سبق لنا القول بجوازه: أن نملكها وإن لم نستعملها.
والله تعالى أعلى وأعلم