<p>السلام عليكم دكتورة،</p> <p>أنا أب لولد عمره 14 سنة، والحقيقة إن في الفترة الأخيرة، كتير من الأهل والأصدقاء بقوا ينصحوني إنّي أخلي ابني يشتغل في الإجازة الصيفية. بيقولولي: "ليه قاعد في البيت؟ ما تدورله على شغل بسيط يتعلم منه المسؤولية، ويعرف قيمة الفلوس، بدل ما يقضي وقته على الموبايل أو في النوم!".</p> <p>والكلام ده بقى يتكرر لدرجة حسّيت إني يمكن أكون مأخدش خطوة مهمة في تربيته. البعض بيقولي إن الشغل هيعلمه الاعتماد على النفس، وهيبقى راجل بدري، وهيتعلم ينظم وقته، وهيعرف يعني إيه تعب علشان يقدّر النعمة اللي هو فيها.</p> <p>لكن في نفس الوقت، أنا قلبي مش مطاوعني. ابني لسه صغير، ولسه قدامه وقت علشان يعيش طفولته ويتعلم كويس. بخاف إنه يشتغل في مكان يستغلوه، أو يحتك بناس ممكن تأثر على سلوكه وتفكيره. وكمان هو مش مطالب يصرف على نفسه دلوقتي، فأنا مش شايف داعي مادي يخليه يشتغل.</p> <p>فأنا بصراحة محتار بين كلام الناس وبين خوفي كأب. هل أنا بغلط لما بخليه يقضي إجازته في الراحة أو الأنشطة الترفيهية والتعليمية؟ ولا المفروض فعلاً يشتغل ويتحمّل المسؤولية بدري؟</p> <p>أرجو نصيحتك د. أميمة، ولكِ جزيل الشكر.</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أحييك أيها الأب الفاضل على حرصك الصادق على تربية ابنك، والتأنّي في اتخاذ القرار التربوي.
بدايةً، أطمئنك أنت لست مخطئًا في قلقك، كما أنك لست مضطرًا كذلك لاتباع كل رأي يُلقى إليك من هنا وهناك؛ فكل بيت له ظروفه، وكل ابن له سماته النفسية والاجتماعية والذهنية الخاصة به، وليس من الإنصاف التعميم في قضايا التربية.
إن مسألة تشغيل الأبناء في سن المراهقة، خصوصًا في فترة الإجازة الصيفية، ينبغي أن تُقاس بميزان تربوي دقيق.
فمن حيث الجانب النفسي التربوي، نحن نعلم أن مرحلة الرابعة عشرة تمثل بداية المراهقة المتوسطة Middle Adolescence، وهي مرحلة حساسة نفسيًّا تتسم بالسعي إلى الاستقلالية، وبناء الهوية الذاتية، كما يسعى فيها المراهق لإثبات ذاته وشعوره بالقيمة Self-worth.
ومن ثمّ فإن السماح له بممارسة نوع من العمل يمكن أن يكون فرصة بنّاءة إذا أحسنّا توجيهها، لكنه قد ينقلب إلى ضرر بالغ إذا تم فرضه أو تُرك دون توجيه أو مراقبة تربوية.
أما عن آراء من حولك من الأهل والأصدقاء، فهي تنبع غالبًا من نوايا حسنة وتجارب شخصية، وفيها جانب من الصحة؛ إذ إن العمل قد يغرس في الابن مفاهيم، مثل: تحمّل المسؤولية، وضبط الذات، وقيمة الجهد مقابل المكافأة.
لكن هذه المكتسبات لا تتحقق بمجرد الانخراط في أي عمل، بل تحتاج إلى اختيار البيئة المناسبة، ونوع العمل، ومدة العمل، مع وجود رقابة ودعم نفسي وأسري حقيقي.
أما مخاوفك، فهي في محلها تمامًا. فإن أول ما ينبغي أن ننتبه له هو أن الطفل لم يبلغ بعد السن القانونية للعمل في كثير من الدول، وهو ما قد يعرضه للتعامل مع جهات غير مسؤولة أو بيئات غير آمنة أخلاقيًّا أو صحيًّا، مما يؤثر على توازنه النفسي والسلوكي.
وهنا يحضرني قول النبي ﷺ: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"، فمن الرعاية ألا نلقي أبناءنا في تجارب قد لا تناسب أعمارهم بحجة التعلّم، دون إعداد كافٍ أو رقابة دقيقة.
وإن كنت تسألني: هل أتركه تمامًا دون عمل؟
فإجابتي: ليس بالضرورة. بل يمكنك أن تتيح له "تجربة عملية" خفيفة ومحددة، تكون تحت إشرافك المباشر، وفي بيئة آمنة ومهذبة، كأن يتطوع في نشاط خيري، أو يشارك في ورشة تعليمية مهارية، أو يلتحق بتدريب مهني بسيط يناسب ميوله، وبهذا يكون قد خاض تجربة الحياة الواقعية دون أن يُلقى في معتركها قبل الأوان.
كما أن الإجازة ليست وقتًا للكدّ بقدر ما هي مساحة للراحة والترويح والتطوير الذاتي، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: "إن القلوب إذا أُكرِهت عميت"، فإن لم نترك لأبنائنا فسحة للراحة والتجدد، خسرنا كثيرًا مما يمكن أن يحصدوه في موسم التعلم القادم.
وأخيرًا، أوصيك بأمرين:
أولهما: الحوار مع ابنك، واستشارته في رغباته، فهذا يعزز عنده الشعور بالمشاركة والمسؤولية.
وثانيهما: وضع خطة تربوية متوازنة للإجازة، تجمع بين الراحة، واللعب، وحفظ القرآن الكريم، والتعلم، والخدمة المجتمعية، وربما التجربة العملية الخفيفة.
* همسة أخيرة:
تربية الأبناء ليست سباقًا نحو الإنجاز المبكر، بل هي بناء متوازن للجسد والعقل والروح، و"من استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه".
بارك الله لك في ابنك، وجعل لك في رعايته الأجر والخير.