<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتور، كيف يبدأ الإنسان تغيير عاداته؟ وهل تغيير العادات له مراحل متعددة، ومن أين يبدأ؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فتغيير العادات له عشر مراحل، لا بد أن يقوم بها الإنسان حتى ينحج في تغيير عاداته السيئة، ونبدأ هذه المراحل بالمرحلة الأولى نحو تغيير العادات وهي القناعة العقلية.
فالمرحلة الأولى تحمل عنوان القناعة، فينبغي أن تكون لديك أخي الكريم قناعة بأن تغيير العادات أمر مهم وضروري، وينبغي أن تكون لديك قناعة بأن أمر تغيير العادات ممكن، وينبغي أن تكون لديك قناعة بأن تغيير العادات مؤلم في البداية.
قصة طريفة
يحكى أن بيضة نسر وُضعت في عشِ دجاجة، فلما فقست خرج منها فرخ نسر صغير، وكبر هذا الفرخ وسط الدجاج وهو يظن أنه دجاجة مثلهن، ينظر يمينًا فلا يرى إلا دجاجة ينظر شمالا فلا يرى إلا دجاجة ومن أمامه الدجاج ومن خلفه الدجاج، وأخذ يتصرف مثلهن، يبحث عن الطعام في التراب مثلهن ويطير بضعة أقدام مثلهن.
وذات يوم رأى هذا النسر نسرًا يطير في السماء فسأل الدجاج عنه فكانت الإجابة أنه طائر عملاق يعرف بالنسر ولن تستطيع أن تكون مثله لأنك دجاجة مثلنا. وهنا لم يألو النسر الصغير جهدًا أن يفكر بالأمر فخضع للأمر الواقع واستسلم له وكبر وهو يتصرف كدجاجة ومات المسكين وهو يحسب أنه دجاجة.
أخي الفاضل، هكذا تهدر الطاقات في عصرنا ولدى أفرادنا، يولد الواحد منا كإنسان له قدرات جبارة ولكنه قيّد نفسه ووضع لقدراته حدودًا فمات وهو يحسب أنه دجاجة.
إذًا لا بد أن تكون عندنا قناعة أن الإنسان عجيب بمحتواه، محتوياته عجيبة وقدراته هائلة. لا بد أن نستفيد من تلك القدرات.
دعني أذكر لك -أخي- هذه التجربة التي تم إجراؤها في جامعة سان فرانسسكو وهي بعنوان: هل تغيير العادات ممكن؟
هذه التجربة الرائعة أثبتت أن تغيير العادات نعم ممكن، وأن العادات الأصل فيها أنها مكتسبة وليست موروثة، بمعنى الذي ليس عنده قدرة على التبسم لا يقول والله لأن أبي أو أمي لا تبتسم فقد ورثت منهم هذه العادة، وبالتالي لا أستطيع أن أتبسم في وجوه الناس. أبدا، هذا الكلام فيه مغالطة كبيرة. العادات الأصل فيها أنها مكتسبة.
تجربة جامعة فرانسيسكو
تعال بنا نسمع تجربة سان فرانسيسكو.. ألفان من الخريجين في هذه الجامعة أرادت الجامعة أن تختبرهم في قدرتهم على الإلقاء. ومن دون إخطار سابق أدخل المسئولون عن التجربة هؤلاء الطلبة جميعًا في مسرح ففوجئوا بوجود كاميرات فيديو وأضواء قوية وطاولة مكتوب عليها لجنة التحكيم ومنصة. فطلبوا من كل واحد فيهم أن يقف على المنصة، على خشبة المسرح، ويلقي كلمة مما يجول في خاطره لمدة ثلاث دقائق.
تصور -أخي الفاضل- أنك مكان هذا الشخص، لا شك أنك ستصاب بالرهبة. لأنه لم يكن يوجد إخطار سابق أو تهيئة نفسية أو استعداد مسبق، كلمة ارتجالية لمدة ثلاث دقائق مما يجول في فكرك.
توقع المسؤولون عن التجربة أن تكون نتائجها سيئة وبالفعل هذا ما حدث. من الألفين أتقن الإلقاء فقط مئة وعشرون خريجًا، أي ما يعادل 6% من العدد الإجمالي.
هنا خرجت لجنة التحكيم بقاعدة تقول إن الأصل في الإنسان أنه لا يعرف الإلقاء وأن الذي يعرف كيف يلقي كلمة بشكل ارتجالي هم قلة لا تتجاوز نسبتهم عن 6%، وذلك بسبب البيئة والظروف المحيطة بهم والقضايا الوراثية.
إذًا القضايا الوراثية على الظروف البيئية المحيطة بالإنسان ممكن أن تجعله ينجح بنسبة 6% في الإلقاء الإرتجالي أمام الناس من دون أن ترتعد فرائصه، ومن دون أن يقلق ومن دون أن يخاف ومن دون أن يرهب من مواجهة الناس، ومن دون أن يرهب من مواجهة كاميرات الفيديو أو من دون أن يخاف من مواجهة ميكرفون تلك القاعة.
لجنة التحكيم جلست مع كل خريج ووضّحت له من خلال الجزء الخاص به في الفيديو الذي تم تصويره الأخطاء التي وقع فيها، وأخبروا كل واحد منهم بأن عليه أن يفعل هكذا وعليه أن يبتعد عن هذا الخطأ، وأعطتهم مهلة شهر كامل، ثلاثين يومًا ذهبوا إلى منازلهم ومارسوا إلقاء نفس الكلمة لمدة ثلاث دقائق متحاشين تلك الأخطاء.
ثم بعد ذلك أجريت التجربة مرة أخرى في نفس المسرح أمام نفس كاميرا الفيديو أمام نفس لجنة التحكيم، وبدأت التجربة من جديد لإلقاء نفس الخاطرة نفس الكلمة لمدة ثلاث دقائق. طبعا الكل يتوقع بأن الأداء يكون أفضل، وهذا الذي حدث، لكن النسبة زادت من 6% إلى 20% فقط.
لجنة التحكيم خرجت بقاعدة أخرى بأنه من خلال الممارسة ومعرفة الأخبار وتحاشيها يستطيع الإنسان أن يرتقي في العادات الحسنة إلى 20%.
إذًا عملية التغيير الآن صارت 20% نحو الأفضل، أين ذهبت بقية الـ 100%؟ الـ 80% المتبقية أين ذهبت؟ فخرجت لجنة التحكيم بقاعدة ثالثة أن الإنسان عليه أن يتعلم أصول الإلقاء، أصول المهارة حتى تكتمل عنده العادة حتى يصل بعادته إلى أفضل أداء من خلال هذه العوامل الثلاثة.
معادلة العوامل الثلاثة
العامل الأول: عامل البيئة، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية بـ environment
والعامل الثاني: عامل الخبرة والممارسة، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية بمصطلح experience.
والعامل الثالث: عامل التعلم، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية بمصطلح education.
هذه العوامل الثلاثة كلها تبدأ بحرف e: environment، experience، education.
وأخيرًا -أخي الفاضل- نطلق على هذا العوامل الثلاثة معادلة three e، ثلاثة حروف e وهي الحروف التي تعبر عن هذه العوامل الثاثة التي لها ارتباط وثيق في الارتقاء بالعادة إلى وجهها الأكمل. 6% للعامل الأول العامل البيئي، ثم يرتقي الإنسان من خلال عامل الخبرة إلى 20%، ثم يرتقي الإنسان من خلال عامل التعلم إلى 100%، والكمال لله وحده.