الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
26 - رقم الاستشارة : 1876
08/05/2025
أنا رجل في التاسعة والعشرين من عمري متزوج منذ أربعة شهور بعد جهد كبير كي أدبر مصروفات الزواج والزفاف، ولقد كان إتمام هذا الزواج أحد أحلامي.
وبعد هذه الشهور الأربعة التي عشتها كلها كشهر عسل جاءني عقد عمل وأهلي يضغطون علي كي أوافق وأسافر، خاصة أن زوجتي حامل ويقولون لي إنه يجب أن أفكر في مستقبلي ومستقبل عائلتي، ولكنني لا أرغب في السفر وترك عروسي فأنا عانيت طويلا من الحرمان ولا أتصور أن أتزوج وأظل أعاني من الحرمان أيضا..
عائلتي يحذرونني من أنني سأندم لأن هذه الفرصة لن تأتي ثانية وأن كل الشباب يتمنون فرصة عمل كهذه، وزوجتي ليس لديها رأي محدد هي موافقة على ما سأختاره أنا، وأنا متردد.. فهل من نصيحة؟
ابني الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع، ومبارك لك الزواج.
ابني الكريم، الحياة كما يقال اختيارات، وكل اختيار نحصل منه على مجموعة من المزايا، وفي المقابل نفقد مجموعة أخرى أو ندفع ثمنًا ما لهذا الخيار، وكلما كان القرار كبيرا ومهمًّا كان الثمن كذلك.
الإنسان يأخذ قراره بناء على عدة عوامل، يأتي على رأسها احتياجاته الشخصية في اللحظة الراهنة وفي النظرة المستقبلية.. المصلحة العائدة عليه وعلى دائرته المقربة.. وجود بديل لهذا الخيار من عدمه.. مقدار الثمن الذي سوف يقوم بدفعه، ولا شك أن الإنسان وهو يتخذ القرار يستأنس برأي من حوله، ولكن في النهاية هو من يتخذ القرار وفقًا لرؤيته الشخصية
حاجة أساسية
عندما قام علماء النفس بتوزيع الحاجات الإنسانية بحسب أهميتها وضعوا في قاعدة الهرم الحاجات الإنسانية الأساسية كالطعام والشراب وأيضًا الغريزة الجنسية، فإشباع هذه الحاجات له الأولوية عند الإنسان.
وأنت يا بني لك سنوات تعمل وتجتهد وتدخر حتى تستطيع الزواج وحتى تستطيع أن تشبع هذه الغريزة عن طريق الحلال، ومن ثم فزواجك كان أهم إنجاز حققته في هذه السنوات، فكثير من الشباب لم يستطع تحقيقه، وهذا من فضل الله عليك، كما أنه من فضل الله عليك أن رزقك زوجة هادئة مطيعة أسعدت قلبك وعما قريب يأتيك طفل يعمق علاقتكما أكثر، ومن حقك أن تستمتع بهذا الإنجاز، ومن حقك ألا تتنازل عن هذه الحاجة الأساسية التي أشبعت، وبالتالي أنا متفهمة تمامًا رفضك لفكرة السفر التي تحرمك هذا الحق.
دوافع الأهل
لكن دعنا أيضًا نتعرف على وجهة نظر أهلك وعائلتك ولماذا يضغطون عليك كي توافق على عقد العمل؟
ابني الكريم، أنت تركز في تفكيرك وفي اتخاذك للقرار على اللحظة الراهنة على قوة "الآن"، بينما يفكر الأهل في اللحظة القادمة على قوة "المستقبل" وعلى قوة" المال" أيضًا، فلكي تستقر حياتك وحياة عائلتك أنت بحاجة للمال الذي هو عصب الحياة، وبحسب المتوقع فأنت ستكون حاجتك للمال أكثر في المستقبل بسبب اتساع عائلتك وبسبب ارتفاع الأسعار.
لذلك ينظرون لهذا العقد نظرتهم لطوق النجاة، ومن ثم كانت صدمتهم عنيفة وهم يلمحون ترددك الذي هو أقرب للرفض فبدأوا يضغطون عليك كي تقبل ويذكرونك بالمستقبل القريب وما ينتظرك فيه من مسئوليات جسام.
خارج الصندوق
أنا لا أستطيع أن أحثك على أن تفكر في المستقبل وتتجاهل واقعك واحتياجاتك في اللحظة الراهنة، لأنك ستعيش وقتها في عنت شديد وتشعر أن حياتك قاسية قاتمة لا يوجد فيها إلا تلال من المسئوليات والمهام، لكن في الوقت ذاته ليس من الذكاء أبدًا تجاهل المستقبل وتجاهل التخطيط الاستراتيجي له، لذلك فأنا أقترح عليك الآتي:
إذا أمكنك أن تسافر ثم تلحقك زوجتك بفترة وجيزة فسافر حتى لو أنفقت الكثير ولم يتبق من مال السفر إلا القليل لتوفيره، فهذا القليل أفضل من اللاشيء، ويمكنك وقتها البحث عن عمل إضافي، وقد تستطيع الزوجة ممارسة عمل جزئي، لكن الأصل أن يكفي راتبك لزيارتها أو استقدامها ووجود هامش يسمح لك بالادخار، وبالطبع ستعيش هناك أنت وعائلتك وفق الحد الأدنى المعقول من المعيشة كي يكون لمعنى الاغتراب مغزى (الادخار).
أما إذا كان راتبك لن يسمح لك باصطحاب زوجتك معك ولو بعد فترة قصيرة فلا داعي لهذا السفر، فلا يمكننا إهدار احتياجاتنا في اللحظة الراهنة من أجل تأمين المستقبل، فالمستقبل بيد الله الرزاق...
وفي الوقت ذاته أريدك أن تفكر خارج الصندوق؛ عليك التفكير في عمل إضافي أو تعلم مهارة جديدة تستطيع بها الحصول على فرصة عمل أفضل، فهناك الكثير من الرجال يحصلون على دخل مرتفع دون تجربة السفر...
يمكنك تأمل بعض هذه النماذج الناجحة في محيطك وحاول أن تستخلص سر النجاح.. انظر لطريقتهم في السعي لا لتستنسخها ولكن لتستلهمها، ثم توكل على الله وحاول بجدية، واجعل من عبد الرحمن بن عوف نموذجًا وقدوة لك، واجعل مقولته "دلوني على السوق" شعارًا لك، فهو هاجر وقد فقد كل ماله وبدأ تجارته من الصفر مرة أخرى في المدينة..
ويمكنك أن تتصور أن السوق هو كل مجالات العمل المتاحة والمباحة، فضع لنفسك هدفًا طموحًا وواقعيًّا وأبدأ بالعمل عليه، وكن كالطير في سعيه "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".. رزقك الله الخير كله، وبارك حياتك، وتابعنا دائما بأخبارك.