Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 117
  • رقم الاستشارة : 1826
04/05/2025

أنا سيدة ثلاثينية، نشأت على محبة القرآن، لكني للأسف لم أتمكن حتى الآن من حفظه بشكل منهجي.

في الفترة الأخيرة، بدأت أعود إلى الله بصدق، وأصبحت حريصة على الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن بتدبر، وبدأت ألاحظ أثره العجيب في تهذيب النفس وتثبيت القلب، خاصة في الأوقات التي أشعر فيها بضيق أو تشتّت.

بدأت فعلاً بمحاولات لحفظ بعض السور، لكني أشعر أنني أركز على الألفاظ دون أن أستشعر المعاني بعمق، وأخشى أن يكون حفظي شكليًّا لا ينعكس على سلوكي أو قلبي.

هدفي الحقيقي هو أن يكون القرآن رفيقي في حياتي، أعيش به ومعه، وأفهم رسائله، لا أن أكتفي بترديد ألفاظه.

فما هي أفضل الطرق العملية التي تعينني على حفظ القرآن الكريم، بطريقة تُثبّت المعاني في القلب وتُوقظ أثرها في النفس، وليس مجرد حفظ اللفظ؟

وهل هناك وسائل تربوية أو روحانية يومية تساعدني على أن يصبح القرآن محورًا لحياتي، خاصة أنني أعيش في بيئة قد لا تعينني دائمًا على الاستمرار؟

وشكر الله لكم.

الإجابة 04/05/2025

مرحبًا بكِ أيتها الأخت الكريمة، وجزاكِ الله خير الجزاء على رسالتك، وشكرًا لكِ على هذه الثقة الغالية التي أوليتِنا إياها، والتي نراها أمانة في أعناقنا، نسأل الله أن نكون عند حُسن ظنِّكِ. وأسأله -سبحانه- أن يفتح لكِ أبواب رحمته، وأن يرزقكِ لذة القرب منه، وأن يجعل القرآن العظيم نور صدرك، وجلاء همَّك، ورفيق دربك، وحجّتكِ ونوركِ يوم القيامة، وبعد...

 

فإنّكِ لستِ على طريقٍ عاديٍّ؛ بل على دربٍ اختصَّ الله به أهل الخير والنور، أهل القرآن، الذين قال فيهم رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه» [رواه البخاري].

 

وقد لمستِ بنفسكِ هذا الأثر الذي يتركه القرآن في القلب حين يُقرأ بتدبُّر وخشوع؛ ذلك لأن القرآن ليس مجرَّد كتاب يُقرأ؛ بل هو كلام الله الذي يهدي القلوب ويريح النفوس ويغذي الأرواح وينير الطريق: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: 15 و16].

 

وهذا الشعور بالضيق الذي يزول حين تفتحين المصحف وتُطيلين النظر في آياته، هو من بشائر الهداية. وحرصكِ على ألا يكون الحفظ شكليًّا بل حيًّا نابضًا هو أوَّل درجات الصدق.

 

كيف تحفظين القرآن بالقلب والروح؟

 

إليك هذه النصائح، لعل فيها فائدة وعونًا لك بإذن الله:

 

1- الحفظ على ضوء المعنى لا الحرف فقط:

 

احرصي في كل مقطع تحفظينه على أن تقرئي تفسيره قبل الحفظ، ولو من كتاب مختصر مثل «التفسير الميسر»، فإذا أدرك القلب ما وراء اللفظ، انطبع اللفظ في الذاكرة.

 

مثلاً: عند حفظكِ لسورة «الضحى»، تأمَّلي: لماذا أقسم الله بالضحى؟ ماذا تعني سجى؟ ما الرابط بين السورة وحال النبي ﷺ حين فتر الوحي؟

 

إن القرآن خطاب روح، وتدبره واجب، وعبادة، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص: 29]. ولم يقل: «ليحفظوا آياته».

 

2- الكتابة وسيلة تثبيت:

 

اجعلي لكِ دفترًا خاصًّا، تكتبين فيه الآيات التي تحفظينها، ثم تلخِّصين تأملكِ في المعنى بجملة أو اثنتين.

 

اليد حين تكتب، والقلب حين يتأمل، واللسان حين يردِّد، تتعاون كلها لتُثبِّت الآيات في النفس، لا في الذاكرة فحسب.

 

3- تكرار الاستماع بصوت واحد مألوف:

 

اختاري قارئًا ترتاحين لصوته، واسمعي السورة التي تحفظينها يوميًّا قبل النوم أو في وقت السكون. فإن استماعك للسورة يُثبِّت النطق الصحيح، ويجعل الآيات تتردد في صدرك فتنطبع في القلب.

 

كيف تجعلين القرآن محورًا لحياتك؟

 

أعلم يقينًا أن في بعض البيئات، قد يشعر السالك إلى الله أنه كغريب في وطنٍ ليس وطنه، فإليك هذه المعينات:

 

1- اجعلي لكِ وقتًا ثابتًا للقرآن لا يتزحزح:

 

حدّدي وقتًا في يومكِ -ولو 20 دقيقة- لا يزاحمه شيء مطلقًا، وارفعي شعار: «هذا وقت القرآن، فيه أتنفَّس، وأستريح، وأشكو، وأرجو».

 

وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو أنَّهُ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ ! في كم أقرأُ القرآنَ؟ قالَ: «في شَهرٍ»، قالَ: إني أقوى من ذلِكَ، حتَّى قالَ: «اقرأْهُ في سبعٍ». قالَ: إني أقوى من ذلِك، فقالَ ﷺ: «لاَ يفقَهُ من قرأَهُ في أقلَّ من ثلاثٍ» [رواه أبو داود]، إشارة إلى أن القرآن لا يُرتَّل فقط، بل يجب أن يُفهَم ويُفقَه.

 

2- الصحبة الصالحة ولو عن بُعد:

 

ابحثي عن رفيقات لك في القرآن عبر المجموعات النسائية الحقيقية أو الإلكترونية، أو حتى عبر البرامج الصوتية الخاصة بالحفظ والتدبر (كثير منها متاح عبر الإنترنت)، فالقرآن مع جماعةٍ له أثر مختلف تمامًا، وقد قال ﷺ: «ما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ» [رواه مسلم].

 

ويقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

 

3- اربطي كل موقف يومي بآية:

 

اجعلي لنفسكِ عادة جميلة: كل موقف تواجهينه في يومك، اسألي: ماذا يقول القرآن في هذا؟

 

تغضبين؟ تذكَّري: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾.

 

تشعرين بوحشة؟ تذكَّري: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.

 

تُصابين بابتلاء؟ تذكَّري: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

 

بهذا ستصبح الآيات رفيقة قلبك، لا مجرد محفوظات.

 

وختامًا، أختي الكريمة، إن رحلتكِ إلى القرآن ليست سباقًا في الحفظ، بل اتصال دائم بالله، وارتقاء بالروح، وسمو بالقلب.

 

فلا تخافي من بطء الحفظ، فإن النبي ﷺ قال: «الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ» [رواه مسلم].

 

واطمئني، فما دمتِ قد صدقتِ الله، فالله أكرم من أن يهمل يدًا امتدَّت إليه، أو قلبًا اشتاق إلى كلامه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]، والله لا يُخلف وعده.

 

وفقك الله وأعانك.

الرابط المختصر :