Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 23
  • رقم الاستشارة : 1880
08/05/2025

لماذا تنتشر في السنوات الأخيرة جراحات التجميل ؟ هل هذا مؤشر على غياب مفهوم الرضا حتى عن الذات؟ وهل هناك سؤال أخلاقي يفرض نفسه أمام تفشي تلك الجراحات؟

الإجابة 08/05/2025

الحقيقة أن سؤالكم يناقش قضية كبرى تواجه الإنسان المعاصر، تتلخص في هيمنة الرؤية المادية على عقل الإنسان، وسطوة ثقافة الصورة على وجدانه، فأصبح أسيرًا للمظهر الخارجي، من: قوام ولون بشرة، وحجم أعضاء كالصدر والأرداف والأنف والفم.

 

تشير الإحصاءات إلى أن حجم سوق جراحة التجميل العالمية عام 2024م بلغ (56.98) مليار دولار، ويحتمل أن يصل إلى (59.17) مليار دولار أمريكي عام 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي (83.34) مليار دولار أمريكي بحلول عام 2034، وأن غالبية عمليات التجميل تتم في الفئة العمرية الواقعة ما بين سن 35 و50 عامًا، أي في مرحلة الكهولة، والانتقال من مرحلة الشباب إلى مرحلة أخرى، وهو ما يؤشر على سعي للهروب من تأثيرات تقدم العمر، سواء في الشكل الخارجي أم الحفاظ على نضارة الشباب وجاذبيته لأطول فترة ممكنة، ولذا أجريت حوالي 15.8 مليون عملية جراحية تجميلية عام 2023؛ وهو ما يعني غياب الرضا وغياب التصالح بين الإنسان ذاته.

 

الإنسان يشقى بعدم الرضا عن مظهره، وهذا يدفعه إلى مسارات مختلفة، منها الإفراط في عمليات التجميل، ومحاولة الوصول إلى هيئة يرضى عنها، وكأن هناك مواصفات خِلقية معينة هي التي تحدد الرضا، أما ما عداها فلا يرضى عنه.

 

ولكن ما طبيعة السؤال الفلسفي والأخلاقي في تزايد جراحات التجميل؟

 

انغماس الإنسان في المادية والاستهلاكية له ضريبته الصحية والنفسية، ومن الاضطرابات النفسية التي ظهرت مع هيمنة المعايير المادية النموذجية على الجسد، ظهور ما يسمى بـ"اضطراب تشوه الجسم"؛ وهو يولد شعورًا بالقلق، ليتحول إلى ما يشبه الوسواس القهري.

 

هذا الاضطراب، يدفع الشخص إلى العزلة والاكتئاب وعدم الرضا عن الذات، ويكون المخرج -عند البعض- من خلال اللجوء إلى جراحات التجميل، وهي جراحات أغلبها لا يحتاج إليها هؤلاء الأشخاص لخلوهم من التشوهات والعيوب الخِلقية، ولكن اللجوء إليها يكون بدافع اقتناص الإعجاب من أعين الآخرين من خلال الحصول على جسد ومظهر بمواصفات ومعايير معينة.

 

لكن المثير، أن البعض يطرح العلاج المعرفي لمواجهة هذا الاضطراب، من خلال تغيير أفكار الشخص من خلال الحديث معه وإقناعه بالرضا عن جسده، وأنه ليس فيه ما يخجل منه.

 

أما ما يتعلق بالسؤال الفلسفي فهناك من يعزو كثافة عمليات التجميل إلى "نظرية التشيؤ"، (والتشيؤ هو: أن يَتحوَّل الإنسان إلى شيء تتمركز أحلامه حول الأشياء فلا يتجاوز السطح المادي وعالم الأشياء)، وفي هذه الحالة فإن هذا الإنسان ذاته تحول إلى شيء مادي يتمركز حول مظهره، ذلك المظهر الذي يسعى لتغييره وتعديله حسب مقتضيات السوق.

 

ومن ثم يخضع هذا الإنسان وجسده لتأثير ثقافة المستهلك؛ فالمظهر الجذاب والقوام الممشوق والأعضاء المتناسقة هي أدوات قادرة على الجذب وتحقيق القبول الاجتماعي بل وتحقيق المكاسب المادية، ومن ثم يجب الحفاظ عليها، ولهذا نجد أن هوس جراحات التجميل أكثر بين النساء والفتيات .

 

أما السؤال الأخلاقي، فإنه مع طغيان وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت تغيرات سلوكية وأخلاقية كبيرة، فأصبحت أحلام الكثيرين تدور حول نماذج مظهرية محددة، حتى سمعنا عن جراحات تتجاوز خطوط الحياء والأخلاق والحرمات، وليس من داع لها، مثل جراحة "المؤخرة البرازيلية".

 

أما الرؤية الإسلامية، فتحب الجمال والنظافة، وتمزج بين جمال المظهر والروح والسلوك، وتعلن أن الجسد ليس محلاً للتمايز والتفاخر بين الناس، وأن خضوع الإنسان لمنطق مركزية الجسد يعني أن المادية نشبت أظافرها في روح ذلك الإنسان، فلا نجاة إلا بإقلاع جديد بعيدًا عن ذلك الهيكل الترابي، وفي الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: "تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ".

الرابط المختصر :