Consultation Image

الإستشارة 09/05/2025

أنا داعية إلى الله أعمل في أحد المساجد، واقترب موسم الحج، وأرغب في استثماره دعويًّا بأفضل صورة: من خلال الخطابة، والإصلاح بين الناس، وتوجيه القلوب نحو روح هذه العبادة العظيمة، وربطها بالحياة.. فما التوجيهات التي تعينني على ذلك؟ وكيف وظّف السلف هذا الموسم في الدعوة؟

الإجابة 09/05/2025

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فإن موسم الحج ليس شعيرة فردية فحسب، بل هو منبر سنوي عالمي، ومؤتمر إيماني رباني، تتجلى فيه معاني التوحيد، والانقياد، والمساواة، والتوبة، والتجرد من زخرف الدنيا، وفيه فرص دعوية لا تتكرر، ومجالات تربوية لا تُعوض.

 

ولهذا فإن على الداعية أن يستثمره بكل ما أوتي من حكمة وبصيرة، ليجعل من هذه الأيام المباركة نقطة انطلاق جديدة في قلوب الناس وأفكارهم وسلوكهم، واسمح لي أن أقدِّم لك هذه الروشتة العملية الواضحة بخصوص هذا الموسم الكريم، وطرق استثماره عمليًّا، وذلك في النقاط التالية:

 

أولًا: لماذا موسم الحج فرصة دعوية فريدة؟

 

* لأنه موسم إقبال القلوب على الله: الناس في هذه الفترة مهيَّأة نفسيًّا وروحيًّا لسماع الموعظة والتأثر بها، بسبب الأجواء الإيمانية.

 

* ولأنه يربط الناس بسيرة إبراهيم عليه السلام: وهي سيرة دعوة وجهاد وثبات وبناء.

 

* ولأنه يذكّر الناس بيوم الحشـر الأكبر: وهو ما يحرّك القلوب ويوقظ الغفلات.

 

* ولأن الحج عبادة جماعية: تحيي روح الأمة الواحدة، وتُذكّر المسلمين بأخوتهم وتاريخهم وواقعهم ومسؤولياتهم.

 

ثانيًا: كيف تستثمر موسم الحج دعويًّا؟

 

أوصيك أخي الداعية بالآتي:

 

1) في الخطابة والدروس: اجعل خطبك في أيام الحج مركزة على: معاني التوحيد وتجريد القلب لله، مستدلًا بقول الله: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، وبيّن للناس كيف أن الحج تحطيم للأوثان الظاهرة والباطنة، وإشاعة العدل والمساواة بين الناس، حيث لا فضل لعربي على أعجمي، وضرورة الرجوع إلى الله والتوبة، مستدلًا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، أي تخلوا عن التفاخر والنزعة الجاهلية، كما نبين للجماهير أن الحج تربية للأمة على النظام والطاعة والانضباط، مما نحتاجه في حياتنا اليومية.

 

2) في الإصلاح بين الناس: ذكّرهم أن الحج أكمل صور التسامح والتجرد؛ فالحاج يُمنع من الجدال والخصام والفساد، قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، فاستثمر روح هذه الآية في فتح أبواب الصلح بين المتخاصمين، وقل لهم: من لم يستطع الحج بجسده، فليحج بقلبه… وابدأ رحلة العودة إلى الله عبر بوابة العفو والمسامحة.

 

3) في دعوة الناس إلى الخير: نظِّم لقاءات تربوية أسرية أو نسائية أو شبابية تحت عنوان: "الحج رحلة التغيير"، أو "وقفات في مدرسة إبراهيم"، أو "هل أنت حاج بقلبك". اربط بين معاني الحج والسلوك العملي: مثل المبيت بمنى والذي يمثِّل روح البساطة والزهد، وكذا الوقوف بعرفات والذي يعبر عن قمة التوبة والانكسار، وكذا رمي الجمار والذي يعني ببساطة شديدة التخلص من وساوس الشيطان، وأما طواف الوداع فهو بمثابة توديع الذنوب والعودة الصادقة. 

 

4) في إبراز روح فريضة الحج: علّم الناس أن الحج ليس "رحلة سفر فقط"، بل هو تجديد للعهد مع الله، ونقطة تحوّل في حياة المسلم، والحج يربط العبد بسنن الأنبياء؛ فالمسلم حين يطوف، ويرمي، ويسعى، كأنه يقول: "لبيك يا رب على درب الأنبياء".

 

ولذا فإن كل داعية في زمننا هذا مدعو إلى إحياء روح هذه المدرسة الإبراهيمية في الأمة، لا بالكلام المجرد فقط، بل بالقدوة، وبالمبادرة، وبالصدق مع الله.

 

وأخيرًا، أوصيك بالآتي:

 

1) اجعل نيتك خالصة لله، واطلب الأجر لا الظهور.

 

2) نوّع وسائل الدعوة: خطبة، خاطرة، صورة، منشور، فيديو قصير، دعاء.

 

3) خاطب القلوب لا العقول فقط؛ فالحج عبادة وجدانية عالية.

 

4) اغتنم يوم عرفة في تذكير الناس بعظمة الدعاء والتوبة.

 

5) علّم الناس فقه الأضحية، وكيف تكون وسيلة للتكافل الاجتماعي وليس مجرد ذبح.

 

6) ذكّرهم أن الإسلام دين بناء وإحياء لا تشدد وتعقيد.

 

وأسأل الله تعالى أن يديم نفعك، وأن يجري الخير والحق على يديك.

الرابط المختصر :