الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
69 - رقم الاستشارة : 3200
04/11/2025
السلام عليكم دكتورتنا الفاضلة،
أنا أمٌّ لطفل في الثامنة من عمره، ذكي وهادئ في أغلب الوقت، لكنه ما زال يصرّ على النوم بيني وبين والده كل ليلة.
حاولت كثيرًا أن أُعوِّده على النوم في غرفته، جربت أن أترك له ضوءًا خافتًا، وأحيانًا أجلس معه حتى ينام، لكنه بعد قليل يستيقظ ويأتي إلى سريرنا.
يقول لي إنه لا يشعر بالأمان في غرفته وحده، وأنه يخاف أن يحلم بكوابيس.
والده بدأ يتضايق من الأمر، خصوصًا أن الطفل أصبح كبيرًا، وأنا بين حيرتين:
لو رفضت بشدة أخاف أن أسبب له خوفًا أو جرحًا نفسيًا، ولو تركته أشارك في تعزيز عادة خاطئة.
فكيف أتعامل معه بطريقة تربوية ونفسية صحيحة دون أن أؤذيه أو أؤذي علاقتنا الأسرية؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختي العزيزة،
ما تصفينه مع طفلك ليس حالة نادرة، بل هو أمر يمرّ به كثير من الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة (Middle Childhood)، حين تبدأ شخصية الطفل في الاستقلال التدريجي، لكنه لا يزال يحتاج إلى الاحتواء العاطفي والأمان الوجداني.
قلق الانفصال
إن إصراره على النوم بينكما لا يدل على ضعف في التربية بقدر ما يعكس قلق الانفصال (Separation Anxiety) الذي يعبّر عنه الأطفال غالبًا في أوقات الليل، حيث يقلّ الضوء وتزداد الهواجس والخيالات.
في هذه المرحلة، يتأرجح الطفل بين حاجته إلى الحماية منكما، ورغبته في إثبات استقلاله، وهي معادلة تحتاج إلى اتزان تربوي في التعامل.
توصيات تربوية
ولذلك أوصيكِ بالآتي بتسلسل منطقي وتربوي:
١- تقبّلي مشاعره أولًا قبل تعديل سلوكه...
قولي له مثلًا: "أنا فاهمة إنك بتحس بالأمان وأنت نايم جنبنا، وده شعور طبيعي، لكن لازم نتعلم نكون شجعان ونعتمد على نفسنا شويّة"، فالتقبّل لا يعني الموافقة، بل هو المرحلة الأولى في العلاج السلوكي المعرفي، لأنه يهيّئ الطفل نفسيًا للتغيير دون مقاومة.
٢- ابدئي بفطام تدريجي للنوم (Gradual Sleep Training):
اجعليه ينام في سريره داخل غرفتكم أولًا، ثم بعد أسبوعين انقليه إلى غرفته مع الباب مفتوح وضوء خافت، حتى تُعاد برمجة الإحساس بالأمان داخل عقله اللاواعي.
٣- احكي له قبل النوم قصة مطمئنة ذات رسالة غير مباشرة عن الشجاعة...
فالقصص تؤدي دورًا فعالًا في التنشئة الرمزية (Symbolic Learning) وتساعد الطفل على الاندماج في القيم بصورة غير مباشرة.
٤- عزّزي ثقته بنفسه عبر التشجيع الإيجابي:
امدحي كل محاولة للنوم بمفرده ولو لفترة قصيرة، فالمدح المتوازن يصنع ترابطًا شرطيًّا بين السلوك المرغوب والمكافأة.
٥- تجنّبي التهديد أو السخرية...
لأن الخوف ليس وسيلة تربية، بل وسيلة نفور. فالتربية الحقيقية تقوم على الرحمة والحكمة، قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾.. فالكلمة الطيبة تُصلح من داخل النفس أكثر مما يصلحه الزجر.
٦- احرصي على الدفء الأسري...
خصّصي له وقتًا نهاريًّا للحوار واللعب مع والده، فكلما امتلأت حاجته من الحب والطمأنينة في النهار، قلّت حاجته للتعلّق الجسدي في الليل.
وأخيرا، تذكّري أن الانتقال من الاعتماد إلى الاستقلال عملية تربوية تدريجية وليست حسمًا لحظيًّا، وأن الطفل في هذه السن ما زال في طور بناء "الأنا المستقلة" (Developing Self-Identity)، فلا يجوز كسره أو تعنيفه نفسيًّا في سبيل سرعة النتائج.
إن التربية الناجحة يا عزيزتي ليست في أن نُبعد أبناءنا عنّا، بل في أن نزرع فيهم الأمان الداخلي ليبتعدوا بثقة. قال رسول الله ﷺ: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه».
* همسة أخيرة:
كوني له أُمًّا حازمة بحنان، وقلبًا يحتضنه بالعقل قبل الذراع، ومع الوقت سينتقل إلى فراشه بنفسه حين يكتمل شعوره بالأمان النفسي الداخلي.
روابط ذات صلة: