صور حديثة من الخداع يمارسها بعض التجار

Consultation Image

الإستشارة 04/11/2025

ورد في السنة حديث: «إن التجار يُبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبرّ وصدق»، وقيل إن سبب وصف التجار بالفجور هو ما يقع في المعاملات من الكذب والخداع والتحايل.

سؤالي: أنا شاهدت تاجرًا يستخدم حيلة نفسية أثناء التفاوض، حيث يضع في علبة دواء القلب حبات من الحلوى، ثم يتظاهر أثناء المساومة بأنه شعر بأعراض جلطة أو ذبحة صدرية، فيضع الحبة تحت لسانه كأنه يتناول دواءً إسعافيًا، بهدف استدرار تعاطف الطرف الآخر ليوافق على السعر الذي يريده.

وعلمت أن هذا الأسلوب يُسمّى في علم النفس: "لعب دور الضحية" (Victim Role)، وهو نوع من التلاعب العاطفي والخداع التمثيلي لتحقيق مكاسب، ويُستخدم في المفاوضات غير الأخلاقية. فهل يُعد هذا الفعل شرعًا من الكذب المحرّم والغش والخداع؟ وهل يدخل صاحبه في وصف «التجار الفجار» الوارد في الحديث؟ وهل تكون الصفقات التي تُعقد بناءً على هذا النوع من الحيل التجارية صحيحة شرعًا أم يشوبها الإثم؟ وما حكم من شهد هذا بنفسه وخشي أن يكون شريكًا في الإثم إذا سكت عن الأمر؟ وهل يجب نصح هذا التاجر وإنكار فعله؟

الإجابة 04/11/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فقد حرّم الإسلام كل صور التحايل والغش والتدليس، وهذه الصورة التي تحدثت عنها ربما لا تخطر على بال أحد من الفقهاء القدامى أو المعاصرين، وهي أقرب لحكم النجش، فقد حث الإسلام على الأمانة بين البائع والمشتري، وحذّر من أكل أموال الناس بالباطل، وجعل النبي  كل دم نبت من سحت فالنار أولى به.

 

العقود التي تُبنى على التغرير محرمة شرعًا

 

وكل العقود التي تُبنى على التغرير والخداع والغش محرمة شرعًا باتفاق الفقهاء، وقد اختلف الفقهاء حول صحتها قضاءً والراجح بطلانها إذا تسبب هذا التغرير في ضرر للمشتري، واستطاع المشتري أن يثبت هذا وصح أن هناك محاولة للتأثير على المشتري، وقد أخذ النجش المعاصر صورًا لا حصر لها نظرًا لتجددها وكثرتها.

 

تعريف النجش وحكمه

 

والنجش هو بسكون الجيم مصدر، وبالفتح اسم مصدر، ومن معانيه اللغوية: الإثارة. يقال: نجش الطائر: إذا أثاره من مكانه. قال الفيومي: نجش الرجل ينجش نجشًا: إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها، وليس قصده أن يشتريها، بل ليغر غيره، فيوقعه فيه، وكذلك في النكاح وغيره. وأصل النجش: الاستتار، لأن الناجش يستر قصده، ومنه يقال للصائد: ناجش لاستتاره.

 

وقد عرفه الفقهاء بأن يزيد الرجل في الثمن ولا يريد الشراء، ليرغب غيره. أو أن يمدح المبيع بما ليس فيه ليروجه. وقد ورد النهي عنه، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْغَنَمَ». وفي حديث ابن عمررضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ  نَهَى عَنِ النَّجْشِ»، فمذهب جمهور الفقهاء: أنه حرام، وذلك لثبوت النهي عنه، على ما سبق. ولما فيه من خديعة المسلم، وهي حرام.

 

ومذهب الحنفية: أنه مكروه تحريمًا إذا بلغت السلعة قيمتها، أما إذا لم تبلغ فلا يكره، لانتفاء الخداع.

 

وذهب جمهور الفقهاء، من الحنفية والشافعية، والصحيح عند الحنابلة: أن البيع صحيح؛ لأن النجش فعل الناجش لا العاقد، فلم يؤثر في البيع، والنهي لحق الآدمي فلم يفسد العقد، كتلقي الركبان وبيع المعيب والمدلس، بخلاف ما كان حقًّا لله؛ لأن حق العبد ينجبر بالخيار أو زيادة الثمن.

 

ومذهب مالك، وهو رواية عن أحمد: أنه لا يصح بيع النجش؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. ومع ذلك فقد نص الفقهاء على خيار الفسخ في هذا البيع: -فالمالكية قالوا: إن علم البائع بالناجش وسكت، فللمشتري رد المبيع إن كان قائمًا، وله التمسك به، فإن فات المبيع فالواجب القيمة يوم القبض إن شاء، وإن شاء أدى ثمن النجش. وإن لم يعلم البائع بالناجش، فلا كلام للمشتري، ولا يفسد البيع، والإثم على من فعل ذلك. وهذا قول عند الشافعية، حيث جعلوا للمشتري الخيار عند التواطؤ.

 

والأصح عند الشافعية أنه لا خيار للمشتري لتفريطه.

 

ويقول الحنابلة: البيع صحيح، سواء أكان النجش بمواطأة من البائع أم لم يكن، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فالخيار للمشتري بين الفسخ والإمضاء، كما في تلقي الركبان، وإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له.

 

قرار مجمع الفقه الدولي في النجش

 

وقد سبق قرار مجمع الفقه بتحريم كافة أنواع النجش عند كلامه عن بيع المزايدة فجاء في آخر القرار:

 

- النجش حرام، ومن صوره:

 

أ– أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة.

 

ب– أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها، ويمدحها ليغرّ المشتري فيرفع ثمنها.

 

جـ- أن يدّعي صاحب السلعة، أو الوكيل أو السمسار، ادعاءً كاذبًا أنه دفع فيها ثمنًا معينًا ليدلس على من يسوم.

 

د- ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعًا اعتماد الوسائل السمعية، والمرئية، والمقروءة، التي تذكر أوصافًا رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرّ المشتري، وتحمله على التعاقد. أ.هـ.

 

ونحن نرجح قول المالكية في هذه المسألة وبخاصة لو تسبب هذا التصرف في غبن للمشتري، لتوافقه مع مقصد الشرع في التحريم، فكل ما ينتج عن الحرام فهو باطل، وما بني على باطل باطل.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

من الأخلاق الغائبة.. الصدق في البيع والشراء

الخدع الترويجية.. كيف تتخذ الشركات قرار الشراء

 

الرابط المختصر :