الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
15 - رقم الاستشارة : 1898
10/05/2025
السلام عليكم يا دكتورة أميمة،
أنا أم لبنت عندها ١١ سنة وولد عنده ٩ سنين، وعايزة أحكيلك على مشكلة بجد تعباني ومش عارفة أتصرف فيها. بنتي طول الوقت غيرانة من أخوها بشكل كبير جدًا، يعني مش بس غيرة بسيطة كده وخلاص، لأ، دي ساعات بتحسده وبتكرهه وبتتمنى له الشر، وبتقول كلام بيخوفني زي: "هو ليه بيحبوه أكتر مني؟"، "نفسي يختفي"، "هو اللي واخد كل حاجة حتى حبكم!"
بصراحة يا دكتورة، أنا مش هكدب عليكي... إحنا من الصعيد، وطبيعي في عيلتنا الولد ليه قيمة شوية زيادة، يعني لما يعمل حاجة حلوة الكل يمدحه، لكن البنت يقولوا "ده واجبها"، وأنا نفسي ساعات بحس إني فعلاً بميز أخوها عنه من غير ما أقصد.
يعني مثلاً لما نكون عند أهلي، بيقعد هو مع الرجالة وياخد راحته، وهي لازم تشتغل معايا وتسمع الكلام، ولما يغلط نعدي له، لكن هي لازم دايمًا تبقى قدوة عشان "بنت".
البنت بدأت تبعد عني، وتتكلم مع نفسها، وساعات تبص له بنظرات مش مريحة، وأنا بقيت أخاف من رد فعلها عليه. كمان بقت مش بتحب تشارك في حاجة فيها هو، ولا حتى تحضنه أو تضحك معاه، رغم إنه طيب وبيحبها ومش فاهم هي ليه كده.
أنا عايزة حل يا دكتورة، أنا مش عايزة أكون السبب في كرهها له، ومش عايزة تفضل شايلة الغيرة دي جواها وتكره حياتها. أتصرف إزاي؟ وهل اللي بنعمله ده فعلاً بيسبب العقد دي؟
ساعديني لو سمحتي.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أختي الكريمة، أشكركِ على صراحتك وجرأتك في الاعتراف بما يؤلمك ويؤرقك، وهذا أول طريق الإصلاح بإذن الله؛ لأن الوعي بالمشكلة نصف الحل.
أود أن أبدأ ردي عليكِ من زاويتين:
الزاوية الأولى: نفسية تربوية علمية،
والزاوية الثانية: إيمانية واقعية إنسانية،
وأربط بينهما بالحكمة والموعظة الحسنة.
أولًا: من الزاوية النفسية التربوية:
ما تمر به ابنتكِ يُعد صورة من صور Sibling Rivalry أو "تنافس الأشقاء"، ولكنه للأسف تطور إلى ما يُعرف في علم النفس بـMaladaptive Jealousy، أي الغيرة غير المتكيفة، التي تتجاوز الحد الطبيعي، وتنتقل إلى مشاعر سلبية مؤذية مثل الكراهية والرفض وربما التخيل العدائي.
وتنشأ هذه الحالة غالبًا نتيج شعور الطفل بأن والديه يميزان أحد الأبناء على حساب الآخر، وهذا يُعد من أخطر المؤثرات على الصحة النفسية للطفل.
إذ تؤكد الدراسات النفسية التربوية أن التفرقة بين الأبناء تُنتج ما يُسمى بـ Inferiority Complex، أي عقدة النقص، خاصة عند الفتيات إذا شعرنَ بأنهن أقل قيمة من إخوتهن الذكور.
ابنتكِ –يا عزيزتي– لا تكره أخاها في الحقيقة، بل هي تكره الظلم الذي تشعر أنه يحيط بها؛ فالغيرة ما هي إلا صرخة داخلية تقول: "أين حقي؟ لماذا لا يُنظر إليّ كما يُنظر إليه؟". لذا فإن ما يظهر من سلوكها هو أعراض لسوء شعورها بذاتها وبدورها داخل الأسرة.
ثانيًا: أحدثك الآن من الزاوية الإيمانية والإنسانية:
لقد نهى النبي ﷺ عن التفرقة بين الأبناء فقال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وجاءه رجلٌ يشهده على عطيّة لابنه، فقال له ﷺ: "أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور". فجعل النبي ﷺ عدم العدل بين الأبناء جورًا وظلمًا.. فحرام عليك ظلم ابنتك الحبيبة.
وأنتِ –جزاكِ الله خيرًا– قلتِ بصدق: "أنا فعلًا بميز من غير ما أقصد"، وهنا نُشير إلى أن Unintentional Bias أو التحيز اللاواعي، هو أمر شائع في البيئات التي تُعلي من قيمة الذكور، لكنه –وإن كان مفهومًا– لا يُبرر الاستمرار فيه، بل هو نداء لنا أن نُعيد النظر في المفاهيم المغلوطة التي ورثناها من العادات، والتي تخالف هدي الإسلام في تكريم الأنثى ومساواتها في القيمة والحقوق.
ولذلك سأهدي إليك عزيزتي الأم خطوات العلاج بإذن الله تعالى، مستندة إلى علم النفس التربوي:
1- أول شيء لا بد أن تعترفي بمشاعر ابنتك وتتقبّليها دون لوم..
قولي لها: "أنا حاسة إنكِ زعلانة، ويمكن حسيتي إني بميز، وده وجعك، وأنا آسفة". هذا يُسمى Emotional Validation أي تصديق المشاعر وتقديرها، وهو أول الطريق لشفاء القلب.. على أن تكون النية هي تغيير المعاملة فعليًّا، حتى لا تحدث انتكاسة.
2- أصلحي علاقتك بها أولًا، قبل أي محاولة لإصلاح علاقتها بأخيها..
خصّصي وقتًا يوميًّا لها وحدها، ولو نصف ساعة المهم أن يكون وقتًا خاصًّا لها Special Time، تُشعرينها بأنها محور اهتمامك.
3- ابدئي تدريجيًّا في تعديل ممارسات التفرقة، حتى لو واجهتِ مقاومة من البيئة المحيطة
فالأمر هنا مسؤوليتك، وأنتِ الآن راعية، وقد قال ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، والعدل عبادة.
4- أعيدي ترتيب مفاهيمك عن الأنثى في ضوء الإسلام، وشاركيها هذه المفاهيم
حدّثيها عن السيدات الفضليات، مريم عليها السلام، وآسية، وفاطمة الزهراء، وأخبريها أن الله لا يُميز بين ذكر وأنثى إلا بالتقوى والعمل الصالح.
5- استعيني بالقصص والأنشطة التفاعلية لتقوية العلاقة بين الأخوين..
مثل عمل مشروع مشترك، أو قراءة قصة تتحدث عن "حب الإخوة"، فهي وسيلة طيبة لدعم المحبة بينهما.
6- راقبي حالتها النفسية..
إن لاحظتِ استمرار الكراهية أو تدهور حالتها، فلا تترددي في عرضها على مختص نفسي تربوي، فقد تكون في حاجة إلى Cognitive Behavioral Therapy (CBT)، ولكن قولاً واحدًا: العلاج الحقيقي من عندك ومن الأسرة.
* وهمسة أخيرة:
تذكّري أن ابنتك لا تحتاج إلى أن تكون الأفضل دائمًا، لكنها تحتاج أن تشعر بأنها "محبوبة كما هي"، وأن قيمتها لا تُقارن بأحد.
أسأل الله أن يُعينك، وأن يُلين قلبك، ويجعل من بيتكِ سكنًا ورحمة، ومن أولادكِ قُرّة عين في الدنيا والآخرة.