تساؤلات المراهق الفلسفية لماذا الآن؟

أخي الكريم، مرحلة المراهقة من أصعب المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، ولها تأثيرها الممتد في حياته، فهي تحول كبير على المستوى الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي، وهذا يفرض على الكبار فهم طبيعتها، والأخذ بيد المراهقين لاجتيازها بسلام وعافية، وكما يقولون "المراهقة مرحلة مُرهقة بطبيعتها".

ومن التحولات التي تشهدها تلك المرحلة تصاعد التساؤلات الفلسفية والوجودية في ذهن غالبية المراهقين وعلى ألسنتهم، وقد يضج أولياء الأمور والمربون من تلك الأسئلة ويظنون أن المراهق غرق في الشك وربما الإلحاد، لكن الحقيقة أن هذه حالة طبيعية في تلك المرحلة من العمر، فهناك فجوة بين النمو الجسدي والبلوغ وبين النضج العاطفي والرشد العقلي حيث يتطلب النضج والرشد عدة سنوات بعد البلوغ.

يقولون: "إن أفضل الأسئلة الفلسفية هي تلك التي غالبًا ما يخجل الناس من طرحها نظرًا لبساطتها الظاهرية"، وهذه الأسئلة التي قد يخجل منها الشخص تتقاطر في فترة المراهقة فيتساءل عن الخالق سبحانه وتعالى، وعن الحياة والموت والغاية من الوجود، والمصير بعد الموت وعن الحب والكراهية والغضب.

الحقيقة أن تساؤلات المراهق الوجودية تعد شيئًا أساسيًّا في تشكيل هويته الذاتية ونظرته للعالم حوله، وإذا لم يستطع المراهق الحصول على إجابات شافية ومقنعة ومطمئة، فإنه قد يعاني من أزمة وجودية قد تقوده إلى الاكتئاب والقلق والتوتر وتفتح عليه أبوابًا من الأزمات النفسية.

تشير الدراسات النفسية إلى أن فترة المراهقة من أكثر الفترات التي تظهر فيها الأزمة الوجودية، وهي لحظة يتساءل فيها المراهق فجأةً عن معناه وهدفه وقيمته ووجوده ككل، فيشعر معها بقلقٍ عميقٍ بشأن ما سيفعله بحياته، وهذه الأزمة قد تؤدي إلى أفكارٍ سلبيةٍ واكتئابيةٍ شديدة، قد يرى أن الحياة عبثية لا معنى لها، وقد تتصاعد الأزمة الوجودية بأسئلتها تدريجيًّا مع المراهق، لكنه في كلتا الحالتين يعاني من مشاعر مقلقة ويحتاج إلى طمأنة حقيقية لذلك القلق وتلك المخاوف.

أهم الأسئلة الفلسفية والوجودية التي يطرحها المراهق:

* سؤال الهوية والذات: طفرة النمو لدى المراهق تدفعه إلى طرح هذا السؤال لتحقيق توازن بين النمو وبين المعرفة التي يجب أن يتحصل عليها، ويشير علماء النفس إلى أن الهوية تتشكل من خلال عملية استكشاف الخيارات أو الاختيارات والالتزام بخيار بناءً على نتيجة استكشافهم، وهو ما يعني كثافة الأسئلة في تلك المرحلة.

* سؤال المعنى: حيث يطرح سؤال الغاية من الحياة، والهدف الذي يجب أن يكرس له الشاب نفسه.

* سؤال الأخلاق والخير والشر والعدالة: يعد هذا السؤال من أهم الأسئلة التي تُطرح في المراهقة؛ نظرًا لكثافة الشرور التي يراها المراهق حوله ولا يستطيع تفسيرها، أو إيجاد تصور لفهمها.

* سؤال الشك واليقين: حيث يناقش المراهق مسألة اليقين في معتقداته ومدى صوابيتها وصلاحيتها، وهو سؤال إذا لم يجد إجابة شافية فقد ينتهي بالمراهق إلى الإلحاد.

* سؤال الإرادة والحرية والمسؤولية: وهو سؤال أخلاقي سلوكي يرتبط بفلسفة الأخلاق، فانتقال المراهق من فعل الخير إلى الخطأ أو الشر، قد يدفعه للتساؤل عن مدى مسؤوليته عن تلك الأفعال، خاصة أن ضغط الغريزة يكون شديد الإلحاح عليه، ويشعر أنه أضعف من مقاومتها.

* سؤال الموت والفناء: وهذا السؤال يكون أكثر إلحاحًا إذا عانى المراهق من فقد قريب أو صديق، فإن سؤال الموت والمصير يقفز على وعي المراهق، لتتوالد منه أسئلة كثيرة قد تتسبب في حالات من الاكتئاب.

في كتاب "لماذا نحن هنا.. أسئلة الشباب الوجودية" يطرح مؤلفه "إسماعيل عرفة" فكرة أن أسئلة الشباب الوجودية في الوقت الراهن، ربما لم تعد قاصرة على سؤال الخالق سبحانه وتعالى والمصير، ولكنها باتت تطرح تساؤلات تتعلق بالخير والشر والعدل والظلم في العالم.

وقد فرق علماء الإسلام بين الشكوك الطارئة، والشكوك المستقرة في النفس، يقول الإمام النووي: "فالخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تُدفع بالإعراض عنها، وعلى مثلها يُطلق الوسوسة، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تُدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها"، وهو ما يعني فهم طبيعة الأسئلة والسعي للإجابة عليها متلمسين ما قاله أديب العربية "الجاحظ": "اعرف مواضع الشك؛ لتعرف بها مواضع اليقين".

روابط ذات صلة:

ماذا يعني مفهوم أزمة وجودية؟

هل يتحدى مفهوم الفطرة الفكر المادي؟

ما علاقة العقل بصناعة الأمنيات؟

كيف نواجه الملل؟