بين كراهية المنكر واحتقار العصاة.. كيف تنجو من كِبر الشامتين؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الأخلاق والمعاملات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 32
  • رقم الاستشارة : 3163
04/11/2025

أجد نفسي أحتقر مَن يقعون في ذنوب معيَّنة، رغم أنني أعلم أن التوبة مفتوحة للجميع.

أخاف أن أكون متكبرًا أو شامتًا دون قصد. كيف أُربي نفسي على التواضع والرحمة دون أن أُبرر المنكر؟

الإجابة 04/11/2025

مرحبًا بك أخي الفاضل، وأشكرك جزيل الشكر على ثقتك بنا ومراسلتك لنا، وأسأل الله العظيم أن يبارك فيك، وأن يثبت قلبك على الإيمان والتقوى، وأن يرزقنا وإياك التواضع والرحمة التي تُرضيه، وبعد...

 

فإن الإيمان يقتضي كراهية الذنب والمنكر، ويوجب الغيرة على حدود الله، ولكنه في الوقت نفسه يقتضي أيضًا محبة الخلق، والرحمة بهم، والشفقة على حالهم، واليقين بأن الهداية بيد الله وحده.

 

ويجب علينا -أخي الكريم- التفريق بين كراهية الذنب وكراهية المذنب واحتقاره، أي الفصل بين الفعل والفاعل. فإن كراهية الذنب غيرة على حدود الله، ورغبة في تطهير المجتمع، وهذا واجب إيماني يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما كراهية المذنب -أو احتقاره- فهي البوابة التي يدخل منها الشيطان ليوقعك في العُجب والكبر. إن نظرتك للمذنب يجب أن تكون نظرة طبيب لمريض، أو نظرة أخ مشفق لأخيه الذي وقع في ابتلاء، لا نظرة قاضٍ وحاكم.

 

وما ينجيك من الكبر والشماتة بأحد أن تتذكر دائمًا أن الله يقبل توبة التائبين، وأن العبرة بالخواتيم، وأنك أنت نفسك لست في مأمن من الوقوع فيما تحتقر الناس بسبب وقوعهم فيه، أو قد يُختم لك بسوء، والعياذ بالله، ويُختم لأخيك الذي تحتقره بتوبة.

 

وتذكَّر قصة الرجل الذي كان يعبد الله، فرأى رجلًا آخر على ذنب، فقال له: والله لا يغفر الله لك! فقال الله تعالى: «مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان وأحبطت عملك» [رواه مسلم].

 

كيف تُربي نفسك على التواضع والرحمة؟

 

تربية النفس تحتاج إلى مجاهدة، وهذه بعض الخطوات العملية:

 

1. تذكَّر الأصل المشترك:

 

نحن جميعًا أبناء آدم، وجميعنا عرضة للخطأ والزلل. يقول النبي: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» [رواه الترمذي].

 

فإذا رأيت أخاك يذنب، فقل في نفسك: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، ولولا فضل الله عليَّ لكنت مكانه». إن الذي عصمك هو الله، فكيف تعجب وتتكبر بفضلٍ هو منة خالصة من الله عليك؟

 

2. اتباع المنهج القرآني:

 

القرآن الكريم يوجهنا إلى التعامل مع العاصي بالرحمة والدعوة بالحكمة، لا بالاحتقار والزجر. فقد أمر الله –سبحانه- رسولَيه موسى وهارون -عليهما السلام- بمخاطبة فرعون -وهو من هو في الطغيان والكفر- فقال: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [سورة طه: 44]. فإذا كان هذا هو الخطاب مع أعتى الطغاة، فكيف يجب أن يكون مع أخيك المؤمن؟ فبدلًا من أن تحتقره، ادعُ له بظهر الغيب، وأشفق عليه، وحاول نصحه بالتي هي أحسن.

 

3. التواضع لله قبل الخلق:

 

التواضع الحقيقي هو أن تعرف قدرك أمام الله. التواضع ليس تصنُّعًا؛ بل هو ثمرة معرفة الله وعظمته، ومعرفة النفس وضعفها. وقال النبي ﷺ: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [رواه مسلم].

 

إن الكِبر هو ذنب إبليس: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة البقرة: 34]. وقال النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [رواه مسلم].

 

كيف تنهى عن المنكر دون تبريره ولا احتقار فاعله؟

 

1. وجوب كراهية المنكر وتغييره:

 

الإيمان الحق –لا شك- يقتضي كراهية المنكر وتغييره، ولكن هذا التغيير له مراتب وأساليب. قال النبي ﷺ: «مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].

 

وتغييره بقلبك لا يعني احتقار الفاعل، بل يعني كراهية الفعل، والدعاء لصاحبه بالهداية.

 

2. لا تبرير للمنكر:

 

المنكر يظل منكرًا، والمعصية تبقى معصية، ويجب أن يكون قلبك معتقدًا بحُرمة هذا الفعل. والرحمة بالعاصي لا تعني التساهل في حكم الله. أنت تشفق على حاله، وتحب له الخير، وتتمنى له التوبة؛ لكنك لا تقره على معصيته.

 

3. النصح  الواعي:

 

إذا أردت أن تنصح وتغيِّر، فاعتمد على المنهج النبوي، الذي يتلخص في:

 

* الستر: «مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم].

 

* الخصوصية: انصح في السر، ولا تفضح ولا تشهِّر.

 

* التركيز على الرحمة: ابدأ حديثك بتذكير العاصي بمحبة الله له، ورحمته الواسعة، وأن التوبة بابها مفتوح، بدلًا من البدء بالتهديد والوعيد. كن جسرًا يعبر به إلى التوبة، لا حاجزًا يدفعه إلى الإصرار.

 

وختامًا، اجعل هذا الدعاء رفيقك دائمًا: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» وعاهد نفسك أنك كلما خطر ببالك احتقار لأخيك، أن تستغفر له فورًا، وتدعو له بالهداية والتثبيت.

 

وفقك الله وسدد خطاك، وجعلك مفتاحًا لكل خير مغلاقًا لكل شر.

 

روابط ذات صلة:

كيف أتعامل مع العصاة دون غرور أو تعيير أو شماتة؟

الرابط المختصر :