المنهجية الوسطية في تربية البنات

Consultation Image

الإستشارة 17/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا داعية متخصصة في الإرشاد الأسري والتربوي. أرى أن الأمهات يقعن اليوم في طرفي نقيض في تربية بناتهن المراهقات: طرف يبالغ في "الانفتاح" ويترك لابنته حرية مطلقة في اللباس والعلاقات تحت شعار "الثقة والحرية الشخصية"، مما يؤدي إلى ضياع الهوية. وطرف آخر يبالغ في "الانغلاق" والتشديد المطلق في كل شيء، مما يؤدي إلى الكبت ثم التمرد والنفور من الدين.

كيف يمكن لي أن أُقدِّم للأمهات منهجًا وسطيًّا ومعتدلاً في تربية الفتاة المراهقة، يجمع بين الحرية المسؤولة والضوابط الشرعية؟ وما هي الأدوات التربوية التي يمكن أن تستخدمها الداعية لمعالجة هذه التناقضات؟ أرجو إجابة تفصيلية. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 17/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيتها الداعية والمرشدة الفاضلة، وشكر الله لك جهودك في إصلاح اللبنة الأولى في المجتمع وهي الأسرة. إن التوازن في التربية هو سر صلاح الجيل، والانحراف بين الإفراط والتفريط هو آفة العصر. إنكم تسألون عن "فقه التربية الوسطية للفتاة" أسأل الله أن يلهمك رشدك في توجيه الأمهات.

 

وللعلم فإنَّ منهج التربية الوسطية للفتاة المراهقة يكون بين الانفتاح والانغلاق، وهذا المنهج الوسطي في التربية يقوم على مبدأ "الرقابة الذاتية" لا "الرقابة الجبرية"، وهذا لا يتم إلا بغرس الإيمان والوعي، ويتمثل ذلك عمليا في الخطوات التالية..

 

بناء الرقابة الذاتية (تحويل الضوابط إلى قناعات)

 

يجب أن ينصب جهد الداعية على تعليم الأمهات كيفية تحويل الضوابط الشرعية إلى إيمان داخلي وقناعات عقلية لدى الفتاة.

 

1) غرس الحب والتعظيم لله: الأساس هو ربط الفتاة بحب الله ورجائه والخوف منه. يجب أن تفهم الفتاة أن الحجاب ليس قيدًا من الأم، بل هو طاعة وحماية من الله (الذي هو أحب إليها).

 

2) مفهوم "الحرية المسؤولة": يجب أن تعلم الفتاة أن الإسلام يكرمها بالحرية، لكن هذه الحرية ليست مطلقة، بل هي مرتبطة بالمسؤولية أمام الله والمجتمع، ولذا جاء القول الحكيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، والوقاية لا تتم إلا بالتوعية والتوجيه الحكيم.

 

معالجة طرفي النقيض في التربية

 

1) معالجة "الإفراط في الانفتاح" (الترفيه والتوعية)، والعلاج: يجب ألا يكون المنع مطلقًا، بل يكون منعًا بديلاً. الأمهات اللاتي يسمحن بالانفتاح خوفًا من "الحرمان"، يجب توجيههن إلى توفير بدائل مباحة وممتعة للفتاة (كنشاطات رياضية نسائية، رحلات علمية، تطوير مواهب)، ويستلزم ذلك إثراء العقل: التركيز على إظهار "قيمة" الفتاة في الإسلام (قيمة العلم، العفاف، بناء الأسرة)، بدلاً من القيمة التي يروج لها الغرب (قيمة الجسد والجمال).

 

2) معالجة "المبالغة في الانغلاق" (المرونة والثقة)، والعلاج المقترح: تعليم الأمهات أن الغلظة والتشديد يزرعان النفور والكبت. يجب أن تُمنح الفتاة "جرعات صغيرة ومسؤولة من الثقة" تناسب عمرها، لمساعدتها على اتخاذ القرار الصحيح بنفسها.

 

3) الحوار والتفاوض: يجب أن يكون هناك حوار مستمر (لا أوامر) حول اللباس والأصدقاء. مثلاً: يمكن للأم أن توافق على لون أو تصميم معين (مرونة)، بشرط الالتزام بالستر (ضابط شرعي).

 

الأدوات التربوية للداعية والمرشدة

 

1) مجالس الحوار للأمهات والبنات: تنظيم لقاءات مشتركة بين الأمهات وبناتهن، تفتح فيها الداعية باب الحوار الهادئ بين الطرفين، وتلعب دور "الوسيط الحكيم" بين مرونة الابنة وخوف الأم.

 

2) أدوات "التقدير الإيجابي": توجيه الأمهات إلى مدح بناتهن على "استقلاليتهن" و"وعيهن" و"التزامهن الذاتي"، وليس فقط مدحهن على "الطاعة العمياء للأم".

 

3) دراسة حالة: بتقديم قصص واقعية لفتيات نجحن في الموازنة بين الدين والحياة العصرية (القدوة من الواقع).

 

ونصيحتي:

 

أيتها الداعية المربية، أنتِ مفتاح التغيير في هذه الأسر. تذكري أن المراهقة هي مرحلة "بناء الهوية"، فاجعليها تتأثر بالقدوات الصالحة لا المؤثرين الفاسدين. كوني مرنة في الأسلوب، حازمة في الأصول، ومحبة في القلب.

 

وأسأل الله أن يرزقك الحكمة في التربية، وأن يلهمك القول السديد في توجيه الأمهات، وأن يحفظ بنات المسلمين من الانحراف والضياع، وأن يجعلك سبباً في صلاح الأجيال.

 

 

روابط ذات صلة:

كيف أوازن إجاباتي على أسئلة تلميذاتي المحرجة؟!

انتقلت من تعليم البنين إلى البنات.. كيف أتعامل معهن؟!

كيف نُعد بناتنا لمرحلة البلوغ؟

عناد البنات مع الأمهات.. أزمة كل بيت!!!

الرابط المختصر :